رجل في العقد السادس او السابع من عمره، يحمل في جيبه عدة أوراق طواها بعناية، تارة يحملها في يده واخرى في جيبه، يبدو مثل من ينتظر الفرصة، جلس الى جانبي وسألني: انت صحافي؟ قلت: نعم. فقال: معي (طلب) لرئيس الوزراء بدّي يشرحلي عليه، لم ينتظر جوابي لان ذهنه مشغول بالنظر الى مدخل مكان الاحتفال ولقاء رئيس الوزراء مع اهالي عجلون مساء الخميس الماضي، انتظر وحاول ان يصل الى الطاولة التي يجلس عليها الرئيس لكنه لم يستطع، واستسلم وسلم الطلب الى احد موظفي التشريفات الرئاسية، لكنه بقي مسكونا بالقلق، وربما لم يكن مقتنعا ان اوراقه ستصل للرئيس، وبقي يحاول ان يتكلم حتى حصل على هذا، ادى التحية العسكرية للرئيس، هتف للملك والاردن، قدم نفسه كرقيب متقاعد واحد جرحى ومصابي الجيش العربي في معركة الكرامة، فهذا التاريخ المشرف كان سلاحه وهو سلاح وانجاز لا يوزن بالذهب، فمن اكبر مكانة من الجندي المقاتل في معركة الكرامة التي يحمل وسام الاصابة فيها. وطلب من الرئيس ان يؤمن وظيفة لابنته التي تحمل الدبلوم لتساعده على مشاق الحياة، وختم بأداء التحية العسكرية للرئيس وانتظر، وربما انتظر الكثيرون ان يجد هذا المتقاعد الجريح لمسة وفاء وتعاطف، فوظيفة في بلدية او اي مؤسسة لابنة احد جرحى معركة الكرامة ليست اختراقا للقانون، بل تكريس لقانون اردني في عدم رد الملهوف، فكثير من التعيينات تجري دائما ارضاء للنواب والكبار، لكن الفقير يواجه ببعض الالفاظ الودودة ويعود الى بيته مكتظا بخيبة الامل.
هذا ليس اختزالا للقاء الرئيس مع اهالي عجلون، لكن هذه الصورة كانت مؤثرة بالنسبة لي! فالحكاية تكشف عن ظاهرة ليست مرتبطة بهذه الحكومة بل بحكومات عديدة، وهي ان المسؤولين يتعاملون في لقاءاتهم المباشرة مع الناس على انها "همّ" او عبء ثقيل، ربما لأن الحكومات لا تملك الكثير من الاجابات والحلول، او لأن طبقة من المسؤولين اتقنت ادارة البلاد والعباد عبر الورق والتقارير، لهذا جفت ينابيع التواصل المباشر، وان حدث لقاء فهو مع كبار المسؤولين في المنطقة.
خلال لقاء الرئيس، اشار المحافظ وبعض الحضور الى نقطة هامة وهي مجموعة وعود اطلقتها حكومة سابقة في ايار من عام 2005 لكن شيئا من هذه الوعود لم يتحقق حتى الان، ويبدو أن اطلاق الوعود المجانية ودون حساب احدى ادوات الهروب التي تجدها بعض الحكومات عندما تواجه الناس، وما طالب به اغلب المتحدثين هو تطبيق وعود 2005 لكن الرئيس لم يقدم اي وعد، وما التزم به هو ما نصت عليه موازنة العام الجاري.
وربما على الحكومة ان تحاول تعويض النقص في عملها والخاص بالتواصل مع الناس، سواء كان هذا عبر لقاءات خدماتية او كما يحب الرئيس تواصلا فكريا وسياسيا، لكن الحكومة بعيدة عن الناس، وما دمنا في مواسم انتخابات فليكن على اجندة الحكومة زيارات ميدانية واقتراب من الاردنيين، فالوقت الذي يعطى للنخب ولقاءات الفنادق يفترض ان يعطى مثله واضعافه في الاستماع الى المواطنين، وحتى سياسيا فأي حكومة يفترض ان تخدم برنامجها السياسي عبر توصيله للمواطن مباشرة، وليس عبر تصريحات صحافية او اخبار تلفزيونية.
اقتراب المسؤول من الناس ومشكلاتهم وعفويتهم أحد معايير تماسك المسؤول او الحكومة، لان الحديث مع المواطن البسيط ومواجهة منطقه ومطالبه وآرائه ليس امرا سهلا ويحتاج الى ثقافة وقدرات قد تكون اكبر من الحديث مع النخب او حتى مما تحتاجه اللقاءات الرسمية، وهذا ليس حديثا نظريا. فالقادة والرموز واصحاب الحضور هم القادرون فقط على اكتساب حب الناس وثقتهم، وهم الذين يعززون شرعيتهم بالتواصل، لهذا تلجأ كل الانظمة السياسية في اللحظات الصعبة الى تأكيد قوتها بنزول رموزها الى الناس والانخراط معهم سواء كان نزولا حقيقيا او مصطنعا.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة