تؤشر الرسالة التي بعثتها كتلة التجمع الديمقراطي النيابية إلى الملك، على ظواهر ملحوظة في السنوات الأخيرة، تتجاوز ما يمكن وصفه بـ"الاختلالات الأمنية"، إلى نتائج مقلقة وخطرة على الأمن الاجتماعي وقيم الدولة وسلطتها الأخلاقية، قبل القانونية!
تتحدث الرسالة عن انتشار ظواهر خروج شوارع عن سلطة الأمن، كما انتشار ظاهرة سرقة السيارات (وصل العدد إلى آلاف)، وسرقة الأغنام، وانتشار المخدرات (حتى في المدارس والجامعات)، ووصول هذه الظواهر إلى القرى والأرياف البعيدة!
تُرجع الرسالة أسباب هذه الظواهر إلى أمرين اثنين: الأول، عدم قدرة "التنفيذ القضائي" على متابعة أصحاب السوابق والمطلوبين، والقبض عليهم وإيقاع العقوبة المناسبة بحقهم. والثاني، انخفاض قدرة كثير من المسؤولين الأمنيين على تقدير الموقف والتعامل مع الحالات الطارئة، وتدني مستوى الحزم في التعامل مع "الخارجين على القانون".
ربما يكون السببان السابقان صحيحين بنسبةٍ كبيرة، إلاّ أنّ تحميل "الأمن" وحده مسؤولية هذه الظواهر وانتشارها، فيه ظلم شديد. إذ لا يمكن أن نستبعد دور العوامل الاقتصادية- الاجتماعية، وتداعيات تفكك الطبقة الوسطى وعدم قدرتها على الصمود أمام غوائل الغلاء والبطالة والفجوة الطبقية؛ فكل ذلك يعزّز من انتشار الظواهر السلبية، مثل المخدرات التي أصبحت فعلاً خطراً يهدد شبابنا، في المدارس والجامعات. وربما يمكن إضافة ظواهر أخرى جديدة إلى ذلك، مثل الدعارة، وانتشار عصابات النصب والاحتيال، وتطور أساليبهما.
وصلت خطورة هذه الظواهر حد أن تضع الجامعة الأردنية تعهداً على الطلبة الجدد بعدم شرب الكحول وتعاطي المخدرات داخل الحرم الجامعي، في اعتراف ضمني بوجود هذه الظاهرة داخل أسوار الجامعة. وبالمناسبة، تمتد هذه الظاهرة إلى أغلب الجامعات الحكومية والخاصة!
مهما بلغت قدرات الأمن وإمكاناته، فلن يتمكن من الوقوف في وجه انتشار هذه الظواهر وتمددها، والسيطرة الكاملة عليها، بخاصة أنّ رجل الأمن نفسه يشكو بمرارة من قصور التشريعات المتعلقة بالعقوبات بما يسهم في مساندته في معالجة هذه الجرائم، وحماية رجل الأمن، قانونياً واجتماعياً، عندما يصطدم بهذه العصابات وبالخارجين على القانون في كثير من الأحيان.
مع ذلك، وبالضرورة، هنالك تقصير أمني، وربما تراخ واضح، وعدم جديّة في التعامل مع ظواهر معينة ومحددة؛ مثل سرقة السيارات. بل هنالك عشرات الشواهد والأمثلة على أنّ هذه الجريمة أصبحت تكتسب شرعية واقعية، وهناك أشخاص متخصصون اليوم بالتوسط بين السارق والمسروق منه، لاستبدال السيارة، مقابل مبلغ كبير من المال، على بصر الأمن وسمعه!
هل الدولة غافلة تماماً عن هذه الظاهرة؟! الجواب بالتأكيد: لا؛ بل غالباً ما نسمع من كبار المسؤولين عن خطط حازمة وقرارات حاسمة لمعالجة ظواهر الانفلات الأمني والخروج على القانون، واستعادة هيبة الدولة ورد الاعتبار لسيادة القانون، إلى أن وصلنا إلى مرحلة أصبحنا نكره أن نسمع فيها عبارة "سيادة القانون"، لأنّها أصبحت بلا معنى ولا قيمة واقعية حقيقية!
المفارقة الأخيرة تتمثل في أنّ الملف الأول الذي بدأت به الدولة ضمن مشروع "سيادة القانون" و"استعادة الهيبة"، هو الملف الغلط، أو الذي لا ينطبق عليه هذا التعريف بتاتاً، أي الحريات العامة؛ فرأينا اعتقالات بحق نشطاء الحراك. وما يزال إلى اليوم ثلاثة من الشباب الذين وضعوا شعارات "رابعة" قيد الاعتقال والمحاكمة، برغم أنّ ما مارسوه يدخل في صميم حقهم في التعبير وإبداء الرأي، حقوقياً وقانونياً وإنسانياً!
الرسالة النيابية مهمة جداً، ومؤشر على انتشار هذه الظواهر. والمطلوب هو قرار سياسي وجاد بتطبيق القانون، مصحوباً برسالة إعلامية واضحة، يمثلان دعامة حقيقية للأمن للقيام بعملية التطهير المطلوبة، مع تعديل التشريعات التي تحدّ من هذه الظواهر وتحجّمها!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيف محمد ابو رمان   جريدة الغد