الخطوة الإيجابية والجيّدة، في المؤتمر الصحفي المهم الذي عقده وزير المالية د. أميّة طوقان (يوم أول من أمس)، تتمثّل في كشفه عن أنّ مسودة قانون ضريبة الدخل تتضمن وضع عقوبات على التهرب الضريبي. وهو أمر مهم، في ضوء تقديرات تتحدث عما قيمته 650-700 مليون دينار حجم التهرب الضريبي في كل عام؛ ما يستدعي بدوره زيادة كفاءة دائرة ضريبة الدخل لكشف التهرب، وحملة إعلامية لتوعية المتهربين والمواطنين بأبعاد هذه القضية الاقتصادية والمجتمعية والوطنية والأخلاقية.
إلاّ أنّ تفسير الوزير لارتفاع حجم النفقات الجارية في مشروع قانون موازنة 2014، بمقدار 11 % عن العام الماضي، وفي حدود 673 مليون دينار، هو بحد ذاته يحتاج إلى تفسير؛ إذ ربط ذلك بقيام الحكومة بزيادة رواتب الموظفين، ولتلبية مطالب شعبية بتوظيف 3900 عامل مياومة بالوظيفة الدائمة!
كلام الوزير مفهوم بلغة الأرقام (وإن كان بحاجة إلى توضيحات وتفصيلات أكثر؛ فكيف يؤدي تثبيت عمال مياومة وزيادة رواتب موظفين إلى هذا الرقم الضخم؟!)، إلاّ أنّه في الوقت نفسه لا يفسّر للمواطن الأردني المفارقة الكبيرة؛ فبعد تحرير أسعار المحروقات، وزيادة تعرفة الكهرباء، وزيادة الضرائب والرسوم على بعض السلع، بالإضافة إلى بنود أخرى تتضمن رسوماً إضافية على العمالة الوافدة والتأشيرات، ما تزال الموازنة العامة تعاني المشكلات نفسها، وربما أكبر!
إذا كانت النفقات الجارية قد زادت بنسبة كبيرة، وعجز الموازنة، أيضاً، يصل إلى 2265 مليون دينار (قبل المنح)، فمعنى ذلك بحسبة المواطنين البسيطة (من دون الحاجة إلى خبراء اقتصاد) أنّ المديونية تزيد، وخدمات الديون تزيد. وهو ما يعني، أيضاً، أنّ ما دفعه المواطنون من فاتورة تحرير الأسعار، وإزالة الدعم والتشوهات، والالتزام بوصفة صندوق النقد الدولي، لم يؤدّ إلى تحسين الوضع المالي العام، وهو الهدف الذي كانت الحكومة قد أعلنت أنّه يقف وراء الإجراءات الاقتصادية الصارمة التي اتخذتها.
تبرير الوزير لزيادة النفقات بتلبية مطالب شعبية بتوظيف 3900 عامل بالوظيفة الدائمة، يتناقض أيضاً مع خطط الحكومة لوقف التعيينات والتوظيفات الاسترضائية غير المبررة، التي أثقلت كاهل القطاع العام، تلبية لمطالب نواب، ولأسباب سياسية لا اقتصادية؛ ما خلق حالة غريبة من عدم التوازن في النفقات الجارية، وحتى في الوظائف. إذ تجد في الجامعات الحكومية أنّ موظفي الأمن وعمال المياومة أضعاف الهيئة التدريسية، بينما العنف الجامعي يزداد، وتعاني مرافق الجامعات من الترهل. كذلك الحال بشأن موظفي البلديات والمحافظات المكدّسين بلا أي عمل حقيقي. ووصل الأمر إلى تعيين مئات الموظفين في مجلس الأمة، على القاعدة الاسترضائية نفسها.
لم أفهم، إلى الآن، هذه المفارقات. وربما يشاركني مواطنون آخرون في ذلك. وحتى نتأكد بأنّ ما دفعناه وندفعه يضعنا على المسار الصحيح، فلا ندور في الحلقة المفرغة نفسها، فإنّنا اليوم نحتاج إلى خريطة طريق للاقتصاد الوطني، مقنعة متكاملة، تكشف لنا جميعاً إلى أين سنصل بعد خمسة أعوام، على صعيد المديونية والتنمية ومؤشرات النمو، ومواجهة الاختلالات المالية والهيكلية في سوق العمل، ومعضلتي البطالة والفقر.
يتباهى رئيس الوزراء د. عبدالله النسور بأنّه أنقذ الاقتصاد الوطني من الانهيار، عبر القرارات الصعبة التي اتخذها، فأين هو الإنجاز في ضوء الأرقام التي نقرأها؟ فإذا كان الهدف الرئيس يتمثل في توفير سيولة للدولة لدفع الرواتب، وهي بلا شك قضية أمن وطني، فإن ذلك كان يجب أن يتوازى مع خطوات أخرى لتحريك عجلة الاقتصاد المتثاقلة، في ظل عزوف المستثمرين، وشكاوى الطبقة الوسطى، وتذمّر رجال الأعمال مما يصفونه بحالة ركود السوق!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيف محمد ابو رمان جريدة الغد