بعض المخضرمين في السياسة يفتخرون أنهم "يقرأون الممحي"، وهذا يعني القدرة على قراءة الرسائل وفهم ما لا يقال صراحة، يضاف إلى هذه المهارات قراءة الأبعاد السياسية للأحداث والأعمال غير السياسية.
من لا يتقن "قراءة الممحي" قد يصل إلى مرحلة "تسيل فيها المياه من تحته"، وهذا تعبير يكون صاحبه في مرحلة لا يدرك ما يجري حوله، أو يفسر الأمور عبر معطيات محدودة، لكنه تفسير يجعله في واد والأمور في واد آخر.
ربما على الحكومة أن تقرأ الممحي في الرسائل التي تصلها من الملك، بل إن هذه الرسائل تخطت مرحلة الممحي إلى حالة أقرب إلى يافطات المحلات والمرشحين، والرسائل هنا لا تتعلق ببقاء الحكومة أو رحيلها، فهذا الأمر مرتبط بقضايا مختلفة مثل المرحلة والأولويات والبديل، لكن الرسائل تتعلق بطريقة العمل.
هنالك مشكلة في هذه الحكومة تصاحبها منذ قدومها وهي ضعف المبادرة من جهة والبطء وغياب الديناميكية من جهة أخرى، والملك بديناميكيته العالية وتعامله العملي مع القضايا يحتاج إلى حكومة بذات القدرة، ولهذا فالحكومة تضيع الفرص أو تأتي متأخرة وهذا يجعلها دائما في مرحلة استدراك والبحث عن أعذار، لكن المبادرة كانت ستجعلها تقطف إنجازات، أو على الأقل تفوت الفرصة على خصومها والمتربصين بها.
قبل أسابيع كان الملك في الكرك يتفقد الخدمات الصحية والمستشفى الحكومي، وهي في الأصل مهمة الحكومة بل وجزء من عمل كان يجب أن تقوم به بعد الزيارة الملكية إلى الكرك في أيلول الماضي، وقبل يومين كان الملك في مستشفى الزرقاء الحكومي ووجه نقدا واضحا للتباطؤ ليس في إنجاز المستشفى الجديد.
وربما نكرر ما قلناه مرات ومرات من أن حركة أي حكومة خارج المكاتب والفنادق ونحو الناس توفر لها فرصة المبادرة، مثلا الرئيس زار قبل أيام محافظة الكرك لكنه اكتفى بلقاء في إحدى قاعات القلعة مع بضع عشرات من النخب والمسؤولين، لكن لماذا لم يتفقد المدينة ويرى الناس والمستشفى، وقبل الكرك كان الرئيس في عجلون والتقى بعدد من المواطنين وعندما سأله بعض الحضور عن سبب عدم اصطحابه لوزراء الخدمات، قال إنه أتى للقاء فكري سياسي وليس خدماتيا، والمشكلة هنا ليست في الناس بل في الحكومات التي لا يرونها إلا كل عدة سنوات، ولهذا فهم ليسوا معنيين بالتواصل الفكري والسياسي، مثل نخب الفنادق، بل لهم مشكلاتهم وقضاياهم.
"قراءة الممحي" نتاج خبرة سياسية وإدراك لمعادلات الحكم، ولهذا فالحكومة ليست فقط الرئيس بل من حوله من طاقم، ونقصد الذين لا يغيبون عن نظره ويتحدثون إليه في كل الأمور، يسمع رأيهم ويقدمون الرأي والرؤية، ولهذا فعندما يتم تقييم أي حكومة فجزء مهم هو طاقم الرئيس وإطاره السياسي الضيق، فهؤلاء يوفرون الخبرة، تماما مثلما أوصى لقمان ابنه "اجعل عقول من حولك لك عبر المشورة".
ربما ما يجب على الحكومة أن تفعله أن تتوقف طويلا لتقيّم عملها وقدراتها وتعيد قراءة ما لم تستطع قراءته، وأن ترى ما هي أولوياتها القادمة، وهنا نتحدث عن العقل السياسي للحكومة ومن يمثله، ومرة أخرى لا نتحدث عن بقاء أو رحيل الحكومة فهذا أمر مختلف لكن المهم فعالية الحكومة، فهنالك حكومات ومنها الحكومة الحالية فقدت الكثير من مواصفات الفريق، فكل وزير يعمل في وزارته لكن جزء من قوة أي حكومة هو قلبها وعقلها السياسي القادر على التحليل والاستقراء.
القضية ليست في مستشفى الزرقاء أو الكرك أو تسمم السمك أو قضايا الشاورما وضحاياها، بل في القدرة السياسية التي تجعل الحكومة تتواجد في المكان والزمان المناسب، ولعل الحضور في عجلون مثلا سجلوا على الرئيس استدراكين؛ الأول عندما هاجم كل النواب ثم عاد للاعتذار غير المباشر بعدما وصلته رسالة من الحضور، وحتى عندما هاجم جبهة العمل الإسلامي فقد كان قاسيا في المرة الأولى لكنه عاد للاستدراك والتوضيح.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة