مع كل عام يمر على احتلال العراق وسقوط بغداد تحت حكم اميركا ودباباتها سنبقى نسمع تحليلات وأخبارا عن تردي الوضع العراقي وحرمان هذا البلد من حقه في السيادة والأمن والسلام، وسنبقى نتحدث في الاسباب صغيرها وكبيرها.
لكن جوهر الملف العراقي ليس في الاحتلال والاجرام الاميركي، فهذا متوقع من ادارة تحركها الصهيونية والعقائدية، لكن المشكلة في ان جزءا جوهريا من القوى العراقية بنى علاقة مع بلده على اساس الاحقاد وروح الثأر، فلم يحقد على النظام السابق فقط، بل على العراق، وكل ما يراه في وطنه هو النفوذ القائم على اجتثاث الآخر من ابناء شعبه.
الاحقاد لا تبني اوطانا؛ لهذا فشل الذين حكموا العراق وامتلكوا ناصية القرار، لأن كل معادلات عملهم منذ ان دخلوا بغداد قائمة على الحقد والثأر والمصلحة الضيقة، وعملوا بجد على تشكيل سياسات الاحتلال، فكان اول قرار حاقد هو حل الجيش العراقي الذي يمثل ركنا من اركان الدولة، لكنه الجيش الذي هزم ايران، ثم جاء قرار تشكيل هيئة اجتثاث البعث، وهو قرار لم يكن يستهدف القيادات، فعمليا كان حزب البعث خارج السلطة، لكنه قرار كان جزءا من آليات الحقد بحق الناس والمؤسسات والعلماء والرموز وقادة الجيش وضباطه.
انه الحقد الذي يجعل انصار وكوادر حزب هو جزء من الحكم العراقي الجديد يخرجون الى الشوارع في ذكرى احتلال العراق الرابع يهتفون فرحا بهذه المناسبة مطلقين عليها اسم "تحرير العراق"، وهنا لا يوجد تفسير سياسي لهذا؛ فالأمر حقد على الوطن يجعل فئة تحكم تخرج فرحا احتفالا بذكرى سقوط بغداد، فحتى لو اختلف اي مواطن مع نظام سياسي يحكم, فهل يمكن لنفس سوية ومواطنة في حدها الادنى ان تفرح لسقوط بلادها تحت بساطير القتلة المحتلين؟ فهو الحقد الذي يجعل من المستحيل ان يكون هؤلاء يوما مصدر بناء لوطنهم او تربطهم به علاقة سوية.
سيبقى العراق يعيش في دوامة القتل والفوضى لأن من بيدهم مقاليد الامر تحكمهم مشاعر الحقد تجاه بلادهم وشعبهم، ولا عذر لاستمرار الحقد؛ فصدام ومن حوله اصبحوا في ذمة الله، ومؤسسات الدولة تم تفكيكها وتم صياغة ما هو موجود على اسس طائفية رديئة، لكن كل هذا لا ينزع الحقد, ولهذا سيبقى هؤلاء يشعرون بالغربة حتى وهم يحكمون, ولديهم ميليشيات وحرس وأموال وألقاب.
من يفضل الاحتلال ودبابات وسجون جيوش الغرباء على سيادة بلاده ليست لديه مشكلة سياسية مع القوى المنافسة, بل لديه مشكلة نفسية مع ذاته ومحيطه، لا يشعر بالأمان حتى لو امتلك سجونا وميليشات وتسلَّم مقاليد الحكم.
تخيلوا حتى عندما حاربوا حزب البعث اختاروا كلمة "اجتثاث"، وهو مصطلح حاقد، فكيف يتم اجتثاث ملايين الاعضاء، والاجتثاث ليس له معنى اداري، بل بالتصفية والملاحقة لأن البعث كحزب خرج من السلطة، لكن الحقد لم يجعل اصحابه يهتدون الى مصطلح سياسي فكان الخيار مصطلحاً لا يعبّر عن نفس سوية.
الاحقاد لا تبني اوطانا. والحاقدون ليسوا مرجعيات وطنية او صالحين للعطاء العام، فمشكلتهم في نفوسهم ستبقى تحكم علاقتهم مع وطنهم ومواطنيهم، لهذا فالاحتلال قد يخرج يوما، لكن كيف يخرج حقد تعززه عوامل كثيرة؟
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة