كما نسجل على الحكومة ورئيسها نقاط الضعف وسلبيات الأداء، فان من الموضوعية أن نسجل لرئيس الوزراء قوة المنطق، والحديث المتماسك سياسيا وقانونيا عن قضية حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وقرار فك الارتباط الذي جاء استجابة لمطلب، بل ضغوط منظمة التحرير الفلسطينية.
الرئيس قدم مرافعة متماسكة عن الموقف الاردني من حق العودة، ومعادلة هذا الحق والجنسية الاردنية. وهذا الموقف الذي يشدد على اهمية هذا الحق، ويؤكد على دور قرار فك الارتباط في تعزيز الهوية الوطنية الفلسطينية، قد لا يجد قبولا لدى بعض النخب التي تتعامل وفق منطق المصالح والسياسة التجارية، او تجارة السياسة. والمفارقة ان التشدد الذي طرحه الرئيس كموقف أردني تجاه حق العودة والهوية الوطنية الفلسطينية، ظهرت مقابله مطالبات من بعض الحاضرين بتوسيع اطار "الخدمات السياسية"، مثل مقاعد مجلس النواب، ومواقع عليا، وألقاب.
لقاء الحكومة، ممثلة بالرئيس وعدد من الوزراء، مع بعض فعاليات المخيم كان يمكن ان يسوده الحديث الخدماتي؛ فمعظم من تحدثوا طالبوا بحلول لمشكلة البسطات و"العربايات"، وتعليمات الامانة عن ترخيص المحلات ويافطاتها، والمطالبة بالسماح ببناء طوابق فوق البيوت الحالية، وغيرها من المطالب الخدماتية. لكن الرئيس قدم حديثا سياسيا حول القضية الفلسطينية، والتسوية، وحق العودة، ما أجبر بعض الحاضرين على الاشارة إلى قضايا سياسية. ورغم هذا، كان لقاء الحكومة في المخيم لا يختلف عن اي لقاء في اي قرية او مدينة.
الانتخابات البلدية والنيابية تركت بصماتها على بعض المتحدثين من الطامحين للمقاعد في مجلس الامانة او مجلس النواب، وبعضهم تحدث بصراحة عن ترشيح نفسه. لكن حديث البعض كان مفعما بمطالب وخدمات، بما فيها "الخدمات السياسية". فالعيون موجهة إلى الناس، بغض النظر عن استجابة الحكومة لهذه المطالب.
في الوحدات كانت اوراق الرئيس مكتوبة، وكانت تضم رسائل سياسية اراد الحديث فيها في ذلك المكان؛ ليس الرسائل الخاصة بحق العودة والكونفيدرالية فحسب، بل أيضا رسائل اخرى، منها ما يخص ما تردده بعض الاوساط السياسية من ان الرئيس يفتح معركة مع الحركة الاسلامية ليضمن لحكومته عمرا اضافيا، على قاعدة ان من يدخل صراعا او معركة مع الاسلاميين يحظى بمساندة. والرئيس ناقش هذا التحليل، وارسل رسالة باتجاه من يرددونه بأن الامر ليس كذلك.
اللقاء حمل نقدا من الرئيس لخطاب بعض قادة حزب جبهة العمل الإسلامي، وكان حريصا على ان يمتدح الحركة الاسلامية، وأن يثمن تاريخها، لكنه كرر ما قاله في عجلون من رأي يتبناه، وهو أن بعض قادة الحزب يحتاجون الى مزيد من الخبرة. كما كرر ايضا اشارته الى القيادة المعتدلة والخبرة.
ورغم ان هذا الحديث اثار ازمة وتبادلا للتصريحات، الا انه يشير الى خلاف جوهري يتجاوز الحدث الآني؛ خلاف شهدنا شكلا متصاعدا من اشكاله خلال ازمة النواب وما قبلها؛ خلاف يقوم على اساس قناعة لدى الجهات الرسمية ان تحولا جذريا يجري في مسار ومعادلات الحركة، وهذا الامر كان وما يزال هو جوهر الخلاف خلال المراحل الاخيرة، وربما هو ما لم يتم حله خلال كل اللقاءات والحوارات بين الجهات الرسمية والحركة. ومن الواضح ان ابقاء هذه القناعات من دون الوصول الى تفاهمات حقيقية سيجعل منها مصدرا دائما للتوتر، وعاملا خفيا قد يصل في المحصلة الى بناء موقف رسمي بأن الحركة ليست هي ذاتها التي عايشت الدولة خلال ستين عاما مضت.
تبدو المصلحة الاردنية العليا في اعادة مسار العلاقة بين الدولة والحركة الى مسارها التاريخي، واعادة الاعتبار للمعادلات السوية، وازالة التشوهات. فالامر لم يعد خلافا على تصريح صحافي او موقف سياسي، بل بات ازمة ثقة تتصاعد بفعل غياب العلاج الفاعل، بما قد يؤدي الى افتراق. وهنا لا نتحدث عن معارضة سياسة الحكومة؛ فهذه المعارضة جزء من استحاقات فكرة الحكومة والمعارضة، لكننا نتحدث عن افتراق يجعل الدولة تشعر معه ان الحركة فقدت طبيعتها، كما يجعل الحركة تشعر انها لا تمتلك ادوات للتواصل مع الدولة، وأنها غربة لم تشهدها حتى في اشد مراحل الحياة العرفية.
مواسم الانتخابات تصنع توترات اجتماعية وسياسية، لكن التراشق عبر التصريحات ليس مرتبطا بشكل اساسي بتكتيكات الانتخابات، بل يعود الى ازمة الثقة التي تتعمق يوما بعد يوم، وتتجلى عبر مظاهر يومية، وتصريحات استفزازية وحادة من هنا وهناك. واذا لم يتم التوقف بشكل جاد وتفصيلي مع جوهر الازمة، فاننا في كل لحظة معرضون لمشاهدة وظهور مثل ما نشاهد الان، وربما اكثر!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة