يطبخ رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، موضوع "التعديل الوزاري" على نار هادئة، فيما يبدو أنّه حصل على "ضوء أخضر" للقيام به، بعدما تمّ إقرار الموازنة العامة، وعبرت الحكومة هذه "المحطة السهلة" من دون "مشاغبات" نيابية ملموسة!
"الرئيس باقٍ"، هذه هي القناعة المهيمنة على الأوساط السياسية في البلاد، والتي أصبحت بمثابة مسلّمة لدى النخب. وهي نتيجة يسندها منطق "المسار الراهن"؛ فلا توجد، لدى "مطبخ القرار" أي دواع أو ضرورات للتغيير، والدخول في "صداع" اختيار البديل، أو المفاوضات المرهقة مع مجلس النواب. والأهم هو تجنّب الشهية المفتوحة من قبل النواب اليوم لنيل الحقائب الوزارية، بعدما أتمّ المجلس إقرار نظامه الداخلي، وتتشكل اليوم تحالفات كبيرة تسمح بوجود أغلبية؛ وهي الشروط التي يرى النواب أنّها تمثّل مفتاح "الحكومة النيابية"!
المفارقة تبدو في أنّ فكرة "الحكومة النيابية" نفسها لم تعد قائمة، ربما إلاّ عند مجلس النواب. فحتى النخبة الديمقراطية الإصلاحية، لا تجد أنّ التطبيق الأمين المجدي للفكرة سيتمثّل عبر المجلس الحالي، بل ربما سيتم تشويهها به، بالرغم من الجهود المكثّفة والكبيرة التي يبذلها بعض "مفاتيح المجلس" لبناء أغلبية نيابية، ما تزال محكومة بالسعي إلى الحصول على "حصة من الكعكة"، أكثر من اتفاقها على برنامج متكامل!
الزميل جميل النمري ما يزال من القلّة المتمسّكة بالفكرة النظرية للحكومة البرلمانية، ويتساءل عن جدوى التعديل إن لم يؤدِّ إلى إدخال النواب في الحكومة، بينما أغلب زملائه في المجلس باتوا مستسلمين لقناعتين أساسيتين: الأولى، أنّ صاحبهم، رئيس الوزراء، باقٍ، وتلك هي رغبة "مطبخ القرار"، ما خفّف من حجم المشاغبة ومستواها، وأصابهم بحالة من الإحباط. والثانية، أنّه ليس من مصلحة النواب اليوم الدخول في الحكومة، سواء عبر بوابة إعادة التشكيل أو نافذة التعديل، طالما أنّ الرئيس مستمر وماضٍ في تنفيد الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي. ويمنّي بعض النواب أنفسهم بأن ينتهي عمر الحكومة مع الربيع المقبل، أو على الأقل في صيف 2014، ما يفتح المجال لـ"الحكومة النيابية"!
القناعة نفسها أصبحت تحكم النخب السياسية التي كانت "تحفر" للرئيس؛ سواء في داخل "السيستم" أم من خارجه. وبعضها كان يضع "مواقيت الوفاة" لها. إذ رفعت هذه الشخصيات "الراية البيضاء"، وأعلنت أنّ الأمر بيد الله، ولا يعلم موعد الرحيل إلاّ هو، ثم صاحب الشأن!
إذن، الرئيس سيقدِم على تعديل وزاري، فقط من باب تحسين أداء الحكومة، وتقييم عملها خلال الفترة الماضية، بلا أي دلالة سياسية، داخلية أو خارجية، وربما يصل إلى ثلث الوزراء أو أقل. ومن المفترض أن يشمل تعيين وزير للسياحة، وتغيير بعض الوزراء الآخرين! في المحصّلة، لا تغيير في المسار الحالي، طالما أنّ الرئيس يؤدي دوره في القضية الأكثر أهمية، وهي برنامج صندوق النقد الدولي، وسيمضي في برنامج رفع تعرفة الكهرباء.
في لقاء مع وفد غربي زار الأردن مؤخّراً، وجّه أحدهم سؤالاً لي عن مستقبل الإصلاح السياسي. فقلت له: بماذا يهمّ الآن؟! بالنسبة للشارع، فقد أصبح مرعوباً على أمنه ولقمة خبزه، مما يدور حوله، والآخرون مشغولون فيما يحدث في سورية ومصر، أو خطة وزير الخارجية الأميركي جون كيري للسلام! اللعبة السياسية فقدت بريقها بالكامل، وموضوع الإصلاح السياسي أصبح مسألة ثانوية. حتى لعبة تغيير الحكومات وأسماء الوزراء لم تعد مغرية للمواطنين والإعلام، فهل هذا مؤشّر مطمئن أم مقلق؟ لا أعرف!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيف محمد ابو رمان جريدة الغد