لولا أنّني متابع، كما أزعم، لتطورات الحديث عن قانون الانتخاب في أروقة الحكومة، واستمعت لرئيس الوزراء منذ أشهر، وكذلك لوزير الشؤون السياسية والبرلمانية، فلربما شككت بالأمر، كما فعل غيري، وأنا أستمع لتلك الهمسات والإشارات، التي تعزّزها رغبات مشابهة لقوى لا تريد لتعديل قانون الانتخاب أن يمرّ، وستملأ أجواء مجلس النواب بهذا الهاجس، ما يدفع التيار المحافظ إلى اختلاق معركة "دونكشوتية" شرسة حول هذا التعديل، بدعوى حماية الأردن!
ولو وقف الأمر عند حدود قانون الانتخاب، لكانت المصيبة أهون. إلاّ أنّ هذه "الفزّاعة" تلوح في وجوهنا، وتعكس حجم الهشاشة الداخلية والقلق على هوية الدولة، ومستوى الهواجس والمخاوف المتبادلة للأسف، وحبل الثقة المتراخي تماماً بيننا، عند الحديث عن منح الحقوق المدنية لأبناء الأردنيات، وتعديل قانون جوازات السفر بمنح وزير الداخلية ذلك الحق!
حتى مشروع الأقاليم التنموي (إذا كنتم تذكرونه!)، وهو مشروع رائد ومهم ومفصلي في التنمية المحلية، تمّ وأده بالذرائع نفسها؛ فسمعنا من يتحدث عن ضم الضفة الغربية إلى إقليم الوسط. وبعض "الرفاق" طوّر المقاربة إلى ضمّ الأنبار، وحالياً جنوب سورية إلى الأردن، ويتحدث عن "الأردن الكبرى"!
ربما غداً يتم ربط التعديل الحكومي بهذه الإشاعات. وما أخشاه أن يخرج علينا أحدهم غداً يربط قرار عدم تجديد رخص مقاهي الأراجيل بمشروع التوطين والوطن البديل!
بالمناسبة، لا أقلّل من حجم هذه المخاوف ولا منسوبها، ولا أستهتر بها. لكن إذا أردنا وضع اليد على المصدر الحقيقي لها، فهو حجم الأزمة الداخلية أردنياً، حتى إنّنا أصبحنا بالفعل مصابين برهاب أو "فوبيا الوطن البديل" في الأردن، بالرغم، وهذا هو بيت القصيد في المقال، أنّنا لا نتفق وطنياً على تعريف محدّد ودقيق لهذا المصطلح. فالكل يدين الوطن البديل ويقف ضده، والبعض يحلف أغلظ الأيمان بأنّه لن يمرّ، فيما يعتقد البعض الآخر أنّه قائمٌ فعلاً!
عندما يتحدث الملك نفسه، في العديد من المرّات، مؤكّداً على رفض هذا السيناريو، ويعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس وقوفه ضد الوطن البديل والتوطين، وترسل حركة حماس رسائل بالاتجاه نفسه، بل ويتبرع الرئيس عباس بإرسال عباس زكي إلى قيادات "شرق أردنية" (المعذرة على المصطلح، لكن لا أجد غيره!) ليؤكد لهم رفض أي حلول على حساب الأردن، فيما يردد السياسيون دائماً معزوفة "الأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين"، ثم بعد ذلك يكون أي خبر بمثابة "شرارة صغيرة!" قادرة على إشعال الهواجس والمخاوف في أطراف البيت الأردني؛ عند ذلك لا بد أن نتجاوز اللغة الإنشائية الخطابية لنتحدث في التفاصيل والتعريفات الدقيقة، وبلغة علمية، تتوافر على تصوّر وطني توافقي، لتحديد ما هو الوطن البديل، وما المقصود بالتوطين، وما هي الخطوط الحمراء أردنياً وفلسطينياً!
ماذا نقصد بالوطن البديل؟ هل هي الكونفدرالية، أم هي توطين الأردنيين من أصول فلسطينية، عبر تغيير قواعد نظام الحكم في الأردن، أو ما يطلق عليه عبدالرؤوف الروابدة "النظام البديل"؟! أم المقصود بالوطن البديل هو توطين اللاجئين ممن يحملون البطاقات الخضراء والغزّيين في الأردن؟!
أظن أنّ المسألة ليست معقّدة كثيراً إذا درسنا الملف بأبعاده القانونية والسياسية والإدارية، وميّزنا بين اللاجئ الذي يمتلك الجنسية الأردنية الكاملة، وبين أولئك الذين يحوزون على البطاقات الخضراء والغزّيين، ورفضنا التوطين فيما يتعلق بالثلثين الأخيرين، وتوافقنا على معادلة عادلة فيما يتعلق بالثلث الأول!
ثمة دراسات وسيناريوهات موجودة لدى "مطبخ القرار" اليوم حول هذه الملفات، وهي ليست جديدة. حتى ما سمي سابقاً بوثيقة "ع-ع" لم تكن سوى الملاحظات الأردنية على مفاوضات صائب عريقات مع الإسرائيليين، وتتضمن تعريفاً أردنياً دقيقاً لمصالح الأردن المرتبطة بالتسوية السلمية!.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  تصنيف محمد ابو رمان   جريدة الغد