رجل طاعن في السن تزين وجهه لحية بيضاء كريمة دخل الى مكتب مدير مؤسسة المتقاعدين ضيفا يقوده احد ابنائه، والدعوة كانت لتكريمه باعتباره اول متقاعد من القوات المسلحة حيث تقاعد عام 1954، وما ان دخل الى القاعة حتى عرفه احد الحضور وهو العميد المتقاعد فهد مقبول الغبين وتذكره اثناء الخدمة عندما كان سائقا في القوات المسلحة.
طلاق ابراهيم الصالح اختارته مؤسسة المتقاعدين لتكريمه، لكن ما يعنينا هو الحرص على الوفاء للجنود المجهولين الذين خدموا في القوات المسلحة في مراحل بناء الجيش، وفي فترات كانت المعاناة وكانت المراحل الصعبة، فالوفاء خلق لا تتقنه الا النفوس والمؤسسات والحكومات التي يقودها الكبار، فالحماس لتكريم الكبار واصحاب الالقاب ليس ميزة، لكن الوفاء لمن لم يحملوا الاوسمة والالقاب هو الاختيار الحقيقي لخلق الوفاء.
واذا عدنا الى مؤسسة المتقاعدين العسكريين فإننا امام مسار ايجابي يعمل برؤية واضحة، وهذا لا يعني انها حققت لقطاع المتقاعدين العسكريين كل ما يجب، لكن وجود مسار واضح المعالم وتوسع في الخدمات ومجالات الاستفادة من قدرات المتقاعدين وخبراتهم يعني امكانية سد الثغرات والوصول الى ما يجب ممكن.
وفئة المتقاعدين التي تصل الى اكثر من (120) الف اردني، تضم جزءا ليس يسيرا من ذوي الدخول المحدودة بحكم نتائج انظمة التقاعد، ولهذا فواجب المؤسسة ان تعمل على توفير فرص العمل وتقديم التسهيلات في الخدمات، وجزء من هذا موجود، ولعل خطوة اقرار قانون يسمح للمتقاعدين ممن تقل رواتبهم التقاعدية عن (300) دينار بالجمع بين الراتب التقاعدي واي راتب من وظيفة في مؤسسات حكومية، هذه الخطوة قدمت خدمة كبيرة باتجاه تحسين دخل المتقاعد، كما ان في مشاريع المؤسسة وخدماتها الموجودة شيئا ايجابيا.
لكن ما تحتاجه المؤسسة هو ان تصل الى مرحلة تكون فيه البيت الدافئ وخيار المتقاعد في مواجهة تحديات الحياة من عمل حتى لاولاده، اي ان تكون المؤسسة عنوانا تنمويا واجتماعيا للمتقاعد وعائلته، وهذا الامر ممكن التحقق لكنه يحتاج الى استراتيجية وجهد ليس من المؤسسة بل ايضا من المتقاعدين الذين لا ينتسب منهم للمؤسسة الا (40) الفا فقط من اصل (120) الفا، رغم ان الاشتراك الشهري لا يزيد على دينار للضباط ونصف دينار لضباط الصف.
وتصنيف المتقاعدين ليس فقط قائما حسب مستوى الدخل، بل هناك تصنيف فني، فنسبة كبيرة من المتقاعدين هم اصحاب خبرات فنية وادارية وتأهيل اكاديمي ورفيع، وهذا ليس خاصا بالضباط الكبار، بل يشمل كل فئات المتقاعدين، طبعا هنالك استفادة بنسبة معينة من هذه الطاقة والخبرة، لكن المجال ما زال واسعا، وربما يكون من الخيارات عمل او ايجاد سجل وطني للمتقاعدين العسكريين وخبراتهم، وهذا قد تقوم به المؤسسة لخدمة المتقاعدين والمؤسسات الاقتصادية التي تحتاج هذه الطاقات.
هنالك الكثير مما يمكن قوله، لكنها اشارات تؤكد على الجهد الذي تبذله المؤسسة الان، والجهد او الاهداف التي تحتاج الى جهود اكبر لنصل بالمؤسسة لتكون صرحا تنمويا اردنيا يخدم المتقاعدين ويمكنهم من استمرار العطاء، فالتقاعد ليس نهاية المسيرة، ومن المؤكد ان لدى قطاعات من المتقاعدين مطالب وملاحظات على اداء المؤسسة وما يجب ان تقوم به، وهذا يفرض الوصول الى قنوات توصل هذه الملاحظات، وتقول من خلالها المؤسسة للمتقاعدين ما حققته من انجازات وما تفكر بتحقيقه.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة