ماكان علينا ايها الاصدقاء ان نصّر على أن نكبر معاً ونقف على هضبة عمرنا الخمسيني هذا ونحن نكتظ بكل هذا الهرم وبكل هذه الامراض.
كان ينبغي علينا أن نتحاشى هذا التوازي الموجع بالاعمار لكي لا نقع في السؤال الممضوغ عن الصحة وعن مستوى الكسترول وحجم الشحوم الثلاثية ومستوى السكر ومراقبة العداد الزئبقي كل صباح ونحن نرقب مستوى ضغط الدم.
ما كان علينا ان نكبر معاً الى هذا الحد في متابعة المستشفيات وسيارات الاسعاف والانتقال المباغت من غرفة النوم الى غرفة العناية المركزة والذهاب المضجر الى بائع اكاليل الورد ومهر الزهور بتوقيعاتنا التي تظل تتمنى السلامة. والعمل المضني والمواظب في زيارة المستشفيات والسؤال عن الشرايين التي تجلط الدم فيها ، ونجاعة الشبكات التي اعادت للدم تدفقه من جديد.
ما كان علينا ان نكبر معاً الى هذا الحد في تسليم الاصدقاء الواحد تلو الآخر لتلك الحفرة الترابية المستطيلة المسماة بالقبر او اللحد بحجة الموت. ونقبل توديعهم بحجة السرطان او بحجة الجلطة المباغتة او حتى بداء السكري. ليتحولوا الى ذاكرة تقض مضاجعنا صبح مساء. وتعيد ترتيب حضورهم الجميل في الذاكرة بكل هذا البهاء الموجع.
ما كان علينا ايها الاصدقاء ان نصدق كذبة تجاور الاعمار وتبادل الشقاوات الجميلة والتراشق بالحب اليومي ضجة النقاشات متناسين وقفتنا على هذه الهضبة الخمسينية التي اخذت منّا كل هؤلاء الاحبة عن سابق اصرار وترصد. ما كان علينا ان نصدق اجسادنا الى ذاك الحد ولا نتوفع منها الخيانة واقتناصنا الواحد تلو الآخر.
ما كان علينا ايها الاصدقاء في تلك المرحلة المتوهجة من العمر ان نتجاور كي لا نقع في هرم موحد يلقي بضجره اليومي على ارواحنا الى الدرجة التي نصاب فيها بالتقاعس عن تلك التلويحة التي تشي بالحياة.
كان علينا ان نصادق بعض الشباب الذين وانت ترافقهم يظلون يلحون عليك بالتشبث بالحياة والاقبال عليها. شباب اقل عمراً يدعونك الى تجديد حياتك كل صباح. شباب يتركون لك تلك المسافة الاختيارية بالهرم والابتعاد عنهم في اللحظة التي تريدها تماماً مثلما يفعل الفيل العجوز حينما يداهمه المرض او الموت فيبتعد تدريجياً عن القطيع حتى يموت وحده.
كان علينا ايها الاصدقاء ان نتباعد قليلاً كي يشجر كل واحد منّا عمره كما يريد لا كما يريد هذا التشابه العمري الذي يقودني كل صباح الى ما يُشبه البكاء.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خليل قنديل جريدة الدستور