حكومة الطوارئ الفلسطينية قررت حرمان موظفي السلطة في غزة من رواتبهم اذا كانوا لا يعترفون بالشرعية اي بالسلطة وحكومة الطوارئ، وتبرر قرارها هذا بأن من لا يعترف بالشرعية لا يستحق راتباً من حكومتها، وإسماعيل هنية رئيس حكومة الوحدة الوطنية المقالة دعا الموظفين للاحتجاج على قرار حكومة الطوارئ.
هذا الفصل جزء من سياق النزاع بين فتح وحماس الذي دفع اهل غزة ثمناً باهظاً له خلال الاقتتال الاخير وأدى الى انفصال سياسي بين غزة والضفة. وأصبح الفلسطيني المحكوم بحكومة طوارئ في الضفة يلقى دعماً عربياً ودولياً وتشجيعاً اسرائيلياً، وحكومة نظرية في غزة لا يعترف بها احد، وترى نفسها حكومة شرعية، ولها قوة امنية، لكنها حكومة بلا موارد.
وقبل احداث غزة كانت الحكومة الفلسطينية تعاني من حصار من قوى دولية كثيرة بحجة انها لا تعترف بإسرائيل، وكان الحصار اقتصادياً وسياسياً. الآن اصبحت غزة تعاني من حصار اقتصادي تمارسه حكومة الطوارئ وتمنع الرواتب عن الموظفين ممن تقول انهم لا يعترفون بالشرعية، واياً كانت الاسباب فإن فئات من الموظفين سيتعرضون للتجويع من حكومة فلسطينية في الضفة، حكومة تبحث عن وسائل اعادة نفوذها الى غزة (المحررة)، ووجدت في الراتب ولقمة العيش وسيلة للضغط على الناس وحماس.
لا يتحمل المواطن الموظف مسؤولية ان تكون حكومته من نوع الطوارئ او حكومة مقالة غير معترف بها. فهل المطلوب ان يخرج الموظفون في الشوارع يعلنون تمردهم على بقايا حكومة الوحدة الوطنية وتأييدهم لحكومة الطوارئ؟ لكن هل مهمة الموظف مواجهة القوى العسكرية لحماس او لفتح ليصبح شرعياً ومؤهلاً للحصول على الراتب؟
قضية الخلاف الفلسطيني الداخلي افرزت مفردات جديدة, منها ما نتحدث عنه من عقوبة للموظف من راتبه وكأنه هو المعني بتشكيل الحكومات او صناعة السلطة، ومنها ايضاً الذهاب بعيداً في الاتهامات بين طرفي النزاع، وطبيعة الاتهامات يفترض انها تغلق الطريق امام اي اتصال مستقبلي. فالتهم هي بالخيانة والعمالة لإسرائيل، او التبعية لقوى اقليمية على حساب السلطة ووجودها، وهذه التهم بعُرف الدول تذهب بأصحابها خارج حدود المواطنة.
والمفارقة ان كميات التهم يتبعها بعد ايام حديث عن حوار وطني؛ فكيف تتهم جهة بالعمالة او التخطيط لضرب السلطة، وتزويد اسرائيل بمعلومات ثم يكون الحوار وسيلة لحل الخلاف معه!
بالعودة الى قضية الرواتب؛ فإن إقرار مثل هذا المبدأ، وهو معاقبة الموظف وحرمانه من لقمة الخبز، يصنع ارضية خطيرة لإسرائيل وقوى دولية للحصار والعزل ومعاقبة الناس في غزة. فأي حصار قادم او حتى ضربة عسكرية ستجد لها تبريراً او سابقة لأن الفلسطينيين تعاقب سلطتهم فئات من موظفيها بحرمانهم من الراتب، مثلما كانت السابقة الاخطر في الاقتتال وإسالة الدم في شوارع غزة!
بحكم الزمن قد تغيب حروب الاتهامات وحتى صور الاقتتال الداخلي او حتى حرب الرواتب، لكن ما يبقى هو صور ستجري دائماً مقارنتها بين ما يفعله العدو الصهيوني وما يجري بين الاخوة. واذا كان حجب الرواتب ولقمة العيش يجري اليوم بحجة ان هؤلاء لا يعتقدون بالشرعية فإن اي حصار اقتصادي ستمارسه اسرائيل او الدول الحليفة لها سيكون له سابقة فلسطينية.
فإذا كان الفلسطيني يمنع لقمة الخبز عن اخيه الفلسطيني لأنه ملتزم بتعليمات بقايا حكومة الوحدة، فبأي منطق ستتم محاكمة اي فعل عدواني اسرائيلي بالحصار الاقتصادي او حتى قطع الكاز والغاز والماء عن غزة!
اذا كان الفلسطيني بحكم تجربته في المعاناة مع الاحتلال يمكن ان يتعايش مع اقتتال داخلي او حروب الاتهامات بالعمالة والخيانة مع اسرائيل او التبعية المتبادلة لإيران، فإن ما لم يمر به حتى الآن ان يتحول صرف الراتب للموظف على الهوية الفصائلية.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة