يمكن القول بأن عمان قد ابتهجت صباح اول امس حينما استيقظ وسطها الممتد من ساحة رغدان وحتى مبنى امانة عمان في راس العين. نعم لقد استعاد وسط البلد هيبته الاولى التي كانت تكتظ لمئة سنة فائتة من عمر عمان بحركة الارجل وبسعيها الحميم للتواصل وللرزق اليومي الذي شكّل عمان منذ تشكل التجمعات الاولى والبسيطة حول حواف السيل والاشجار المثمرة حوله وحتى هذا الامتداد الذي جعلها تصبح بحجم مجموعة مدن هي مدن المملكة جميعها.
يمكن الجزم ان رئة عمان قد امتلأت يوم امس الاول بالأوكسجين الرباني والحقيقي المعفى من دخان المازوت الذي تطلقه عوادم السيارات ومن ضجيج الحركة القاسية للسيارات التي تدوس الاسفلت بقسوة تبدو وكأنها متعمدة ومن حمقى كثر يستلقون على ارصفتها بهدف التوسل.
واكاد اجزم ان هذا المشي الذي احدثته احتفالية مائة عمان قد جعل الحوانيت النائمة والمغلقة بسبب انقراض الورثة قد شرعت ابوابها احتفالاً بالابناء العائدين وأن سيل عمان الذي ظلّ يكتظ بحيوية الناس قد خلع سقفه الاسفلتي وايقظ اشجاره وعاد لتدفقه محتفياً بحضوراشجاره.
المشاؤون الذين داهموا وسط عمان للاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس بلدية عمان جعلوا المدينة تنهض من نومها بايقاع ارجل المشاة ونعومة ايقاع ارجلهم على طرقاتها. وبدت عمان مثل انثى تتجمل لزوجها الذي غاب عنها طويلاً وأخذته المدن المقترحة الاخرى.
ان المشائين الذين عبروا وسط عمان يوم امس الاول اعادوا لعمان براءتها الاولى ومنحتهم هي الاخرى القدرة على انقاذ مشهدها من المواطن الذي يظل يجلس في الباص او في التاكسي ويراقب امكنتها من تلك النافذة الزجاجية المقيتة. لقد كانت المشاهدة بين عمان وقاطنها يوم امس الاول أكيده ومتاحة للمس باليد المجردة. وقد بدت عمان في أوج فرحتها ودهشتها وهي تعانق الابناء الذين هجروها طويلاً وغابوا في الاحياة المقترحة الجديدة.
لقد عقد ابناء عمان اول امس قرانهم على مدينتهم من جديد وجددوا العلاقة معها بالمشي المتأني الذي منح عمان كل هذا البهاء.
ان احتفالية عمان اعادت لعمان روحها التي غابت وغبنا عنها طويلاً والمطلوب تكريس مثل هذه الاحتفالات سنوياً وابتكار تفريعات انشائية في وسط البلد لتظل عمان الاولى حاضرة في ذاكرة ابنائها.
وكل عام وعماننا بالف خير.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خليل قنديل جريدة الدستور