بعض ما نسمعه من الأقوال والحكم المأثورة نجدها تلامس واقع حياتنا ليس فقط كدولة، بل كمسار لأي دولة او حتى تجمعات صغيرة او كبيرة.
وكم هو جميل ذلك القول الذي ينقل عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، الذي يصفه اهل العلم بأنه واضع اسس الدولة الاسلامية عبر بناء المؤسسات، إذ يقول عمر في وصية لأحد الولاة في عصره: "لا تغلق بابك امام رعيتك فيأكل قويهم ضعيفهم". وهذه الوصية يمكن اعتبارها أحد مبادئ الحكم والادارة، وغياب تنفيذها يقف وراء كثير من المشكلات ويساعد الظالم على الظلم. فحين لا يجد المواطن وسيلة للوصول الى المسؤول في أي وزارة أو دائرة حكومية أو مؤسسة عامة، وتغلق الابواب امام الناس، ولا تصل الشكوى ولا رأي الناس الى المسؤولين فإن من لديه نزعة للظلم والفساد والاستقواء على الناس، وبخاصة ضعفاءهم، يجد المجال امامه واسعا حيث تغيب الرقابة والردع.
ما يحتاج اليه كل مسؤول هو الانفتاح على المواطنين وليس خصخصة آذانه وعيونه وعقله، يجب أن تظل هذه الحواس منفتحة على الجميع عبر فتح كل ابواب التواصل مع الناس ومع الآراء والمصالح والتقييمات، لان احتكار المسؤول لمجموعة مهما كانت ذات مواقع قد يجعله اسيرا لمصالح واراء ومواقف هذه المجموعات.
لا بد من تأميم المسؤول ليكون جزءا من اصوات الناس، يسمع شكواهم، وتصله آراؤهم ومواقفهم وردود افعالهم الحقيقية، وهذا لا يعني ان يبقى المسؤول يدور ويتجول في الشوارع وبيوت العزاء والملاعب، فهنالك الآن وسائل تواصل عديدة منها الاتصال المباشر والاعلام، وقنوات رسمية تنقل ما يجري بصدق. لكن يبقى مهما ان يكون المواطن في الوزارة او اي شخص بمرتبة الرعية على قناعة بأن المسؤول يصله كل شيء، ويسمع عن كل ما يجري، ولديه معرفة بالسلوك الحسن للمحسنين والسيء للمسيئين، أمّا اذا غابت هذه القناعة وشعر الناس ان المسؤول يخضع "لخصخصة" لصالح مجموعة فحينها يفقد المظلوم الآمل بالإنصاف ويزداد الظالم عدوانية. ولعلني في هذا السياق اقتبس قولا للصبي الذي لقيه عمر بن الخطاب في الطريق، فسأله عمر: لماذا لم تهرب حين رأيتني، لأن كل الاولاد كانوا يخشونه فقال الغلام "لست ظالما لأخشى أن تظلمني، ولست مذنبا لأخشى العقوبة، والطريق تسعك وتسعني", وهذه الحكمة مرتبطة بما سبق، لأن الناس عليها ان تقتنع ان المسؤول ليس ظالما، فالخوف من ظلم المسؤول يورث المجتمع ارباكا وخشية على المال والنفس.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة