لأن الذاكرة العربية السياسية على الاغلب مثقوبة تاريخياً وتعبرها الاعراض الكارثية دون ان أي مكاشفة او حساب. فأن الكوارث تجدد وجودها وتفعل فعلها المدمر في ذهنية المواطن العربي وتملي عليه ايديولوجية القطيع.
ومن الكوارث السياسية والفضائحية الجديدة يمكن الاشارة الى تقرير غولدستون الذي وما أن اكتمل كتقرير دولي يمكن له ان يقود قادة الكيان الصهيوني الى المحاكم الدولية وادانتهم حتى طلب ممثل فلسطين في هيئة الامم تاجيل البحث في هذا التقرير الى شهر آذار المقبل.
ومن يقرأ كتاب الباحث الفلسطيني رشيد الخالدي الموسوم ب"القفص الحديدي" الذي يستعرض من خلاله كل المفاصل الموجعة التي مرت بها القضية الفلسطينية ، سيكتشف انه وكلما اقتربت هذه القضية من عنق الزجاجة حتى تقوم الحادثة المزلزلة التي تعيد القضية برمتها الى مربعها الاول ، ابتداء من الهجرات الصهيونية الاولى الى فلسطين مروراً بثورة واضراب عام 1936 وكارثة النكبة ونكسة حزيران حتى عودة الثورة عن طريق اوسلو الى غزة واريحا. حيث يكشف الباحث عن انه وفي اللحظة المناسبة للتغيير في مسار هذه القضية تحدث زلزلة الانقلاب.
وفي وقت كانت فيه المصالحة الفلسطينية على وشك ان يكتمل قطافها في القاهرة. وفي وقت تصر فيه دول العالم على تحقيق هذه المصالحة من اجل اعادة تاهيل الشعب الفلسطيني لاقامة دولته ضمن الاطر السياسية المعتادة دولياً. وفي وقت تنتظر فيه غزة اعادة فتح المعابر وفك الحصار واعمار البيوت التي تحولت الى ركام. في وقت الاقتراب من تحقيق الدولة الفلسطينية بدعم امريكي ودولي. تأتي فضيحة تقرير غولدستون التي وضعت السلطة الفلسطينية على المحك الفلسطيني والعربي لتعيدنا الى فقه تشكيل اللجان والاربكات والتنصل من تحمل المسؤولية التاريخية في قرار طلب تاجيل بحث التقرير. وليعيدنا الاقتتال الفصائلي الفلسطيني الى فكاهة الردح السياسي العربي الذي دمر عقولنا في ستينيات القرن الفائت.
هكذا تحدث فجيعة الشعب الفلسطيني في قياداته. وهكذا تتم المتاجرة بارواح الشهداء وبالاسرى الذين يرزحون خلف القضبان. وهكذا يتم تهويد القدس في وضح النهار العربي والدولي.
لن نقع في فخ الاصطفاف مع السلطة او مع حماس. ولن نصطف الا مع فلسطين هذا التي نقبض عليها بجمر الذاكرة المفخخة بالخيانات وزعرنة الساسة.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خليل قنديل جريدة الدستور