الحركة التي جعلت الاسكندر المقدوني يمد يده الى اليونانيين حال عودته من غزواته الى الشرق كي يقبلوها. وجعلت يده تجفل مرتعشة حينما ردوا يده اليه قائلين له" فعل التقبيل والسجود هذا في الشرق وليس هنا".

هذه الحركة تعتبر من المفارقات الحضارية الكبيرة بين ما هو شرق وما هو غرب. وهي مفارقة اكيدة تم امتحانها في اكثر من مفصل تاريخي. حيث ظل الشرق ينزه زعيمه وسيده عن اي انحراف وظل يضعه في مساحة التقديس. بينما ظل الغرب دائما يضع زعيمه وسيده في مساحة الاشتباه الى ان يثبت العكس.

وهذا بالضبط ما اكده القضاء الفرنسي قبل ايام حينما استدعى الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك كي يمثل امام المحاكم الفرنسية للاشتباه بتورطه في منح وظائف وهمية لحلفاء سياسيين في بلدية باريس عندما كان عمدة لها في الفترة من 1977 الى ,1995 وكانت سلطة الادعاء قد طالبت بوقف نظر القضية ، لكن القاضي اكسفيري سيمنوي ، قرر تقديم شيراك للعدالة بتهمة اساءة استخدام المال وخيانة الثقة.

والغريب ان الجماهير الفرنسية التي تعشق زعيمها شيراك الى درجة توديعه بالورد لحظة تركه قصر الاليزيه. هذه الجماهير التي انتخبته لفترتين رئاسيتين متتاليتين لم تحركها روح الدهماء الجماعية لحظة مطالبة شيراك للمثول امام المحكمة كي يهبطوا الى الشوارع مطالبين بعدم خدش القدسية الزعامية عن الرئيس. شيراك الذي ظل آسراً للجماهير بطلاقته البلاغية والسياسية التي ظلت تميزه كقائد وزعيم فقد كل هذا بقرار قضائي وتحول الى مواطن فرنسي عادي يمكن ان يمثل امام القضاء وان يصدر بحقه اي حكم.

بمقابل كل هذا لم يسجل في تاريخ الشرق وجماهيره اية حادثة من هذا النوع. ولم يقودنا هذا التاريخ الى حادثة نرى فيها الزعيم السياسي يقاد الى محاكمة دون انقلابات دموية وحروب مدمرة.

وفي مقابل كل هذا ووسط كل هذا الفساد المستشري في الكيانات السياسية في الشرق وفي سلطاته التشريعية والحكومية. لم تلحظ شعوب هذا الشرق لحظة قضائية تقود اصحاب هذا الفساد الى المحاكم لمعاقبتهم.

انها اذن كيمياء الفرق في العدالة بين شرق يخترع سماكات القداسة على القائد والزعيم وغرب يمكن له ان ينزع سمة القداسة في لحظة قضائية فاصلة.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خليل قنديل   جريدة الدستور