أجرت دار كريستي في نيويورك مؤخراً مزاداً لبيع رسالة كان كتبها الرئيس الامريكي جورج واشنطن ، حيث بيعت الرسالة بمبلغ ثلاثة ملايين دولار ، وتتكون الرسالة من اربع صفحات وكتبت عام 1787وكانت موجهة الى ابن شقيق الرئيس بوشرد واشنطن ، وحثته على قبول الدستور الجديد للبلاد.
وبالمقابل بيعت ايضاً قصيدة كان كتبها الشاعر الامريكي ادغار الن بو بما يقارب المليون دولار.
ان هذه الهمّة الشرائية التي يتحلى بها بعض المصابين بما يمكن ان يسمى ب"حمى الاقتناء" تجعلنا ننظر الى الحادثة التاريخية التي تكون على الاغلب عادية جداً وربما بلهاء بنوع الفكاهة التي تخدش جدية وجه التاريخ وتجرح صرامته.
فحين كتب جورج واشنطن رسالته تلك لم يكن يتوقع ان يصل الاهتمام "المزادي" بها الى هذا الرقم الفلكي في ثمنها ، وربما كان عليه والحالة هذه ان يوصي بهذه الرسالة لاحد ورثته الذي سيصبح مليونيراً بعد قرنيين لمجرد حيازته على رسالة بخط يد جورج واشنطن.
وقد كان يمكن للشاعر الرائع ادغار الن بو وهو يكتب قصيدته على ورقة مهملة ان يودعها في احد البنوك الامريكية ليأخذ القروض التي كان يمكن لها ان توفر له العيش الكريم لا ان يموت وحيداً على مقعد مقابل كنيسة مترعاً بالخمرة التي اكلت روحه وادمنها.
ان حمى المزادات التي تطالعنا بها يومياً وكالات الانباء تثير فينا شهية الحقد على حمى ألعن منها بكثير هي حمى الاقتناء التي تجعل الاثرياء يقودون لوحة لفان جوخ الى ردهة عارية وموحشة ويدفعون ثمنها الملايين من الدولارات متناسين ان فان جوخ نصف جنونه الذي ساقه ذات مرة الى قطع اذنه ليهديها الى عشيقته كان بسبب الفقر المدقع الذي كان يعيشه فان جوخ.
والامر ذاته ينطبق على خرقة كان بيكاسو يمسح بها يده حال انخراطه في لوحته لتباع هذه الخرقة في مزاد احمق بآلاف الدولارات ان العالم الذي يُقبل على قرن سيكون قرن الجوع البشري بامتياز يحق له ان يتقزز من هذا الدلع الاقتنائي المبالغ في ثمنه. والا ما معنى ان يعاني نصف العالم من الجوع اليومي بينما تباع رسالة هرمة مثل هذه بهذا المبلغ من الدولارات. هذا المبلغ الذي يمكن ان يطعم شعبا باكمله،.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خليل قنديل جريدة الدستور