تبدو الاماكن في المدن الكبيرة والعواصم احياناً وكأنها تستغيث من هول الهجمة العمرانية الزاحفة عليها بخرسانات الاسمنت المسلح ، وهذه الاماكن التي تكونت كنواة للمدينة تبدو في مثل هذه الحالات وكأنها تسعى لاسترداد طفولية مكانها الاول.
من هنا يمكن الحديث عن وسط البلد في عمان كمكان اساس قامت عليه مدينة عمان وتوسعت عمرانياً في جهاتها الاربع حتى وصلت الى هذا الاتساع العمراني الكبير. ومن هنا ايضاً يمكن لنا الذهاب راجلين الى وسط البلد الى المكان الطفل في عمان لمراقبة قسوة الهجر العماني لمكان عمان الاول وتهميشه.
فعمان وسط البلد مازالت بابنيتها التراثية المهجورة تبدو كممر عابر الى جبالها المجاورة او كرابط بين عمان الشرقية والغربية ، وهي على هذا النحو بدأت تفقد طعم حنوها المكاني الاول تدريجياً واصبح التعامل معها يشبه ذاك التعامل الحيادي مع مصعد في بناية نائية. وعمان وسط البلد تفتقر الى اعادة ترميم الابنية العتيقة فيها وتفعيلها سياحياً ، مثلما تفتقر ايضاً للشوارع والطرق الضيقة التي يمكن تحويلها الى شوارع خاصة بالمشاة.
وعمان وسط البلد التي كانت في مطلع القرن الفائت تتتجمل بسيلها الهادر وبساتينها التي كانت تظلل ضفتي السيل والناس والبيوت تم وأد سيلها وسقفه بالاسمنت بعد ان تحول الى مكرهة صحية واخذ ابناء عمان بهجر بيوتهم واسواقهم والتسلل الى امكنة جديدة اكثر طازجية.
ومن تتح له الفرصة كي يتمشى وسط عمان في الساعة التاسعة ليلاً سيرى مدينة مهجورة تماماً تبعث على الوحشة والاحساس بخراب المكان.
ان عواصم العالم تسعى وكلما اتسعت عمرانياً الى العودة الى مكانها الاول لتعمق التواصل معه والتأكيد على العلاقة الاولى معه باقتراح المشاريع السياحية والتشغيلية لمكانها المؤسس التي تجعل القاطن اشد ارتباطاً بمكانه الاول.
ان الهمّة التخطيطية المتطورة التي تقوم بها امانة عمان في مجمل ضواحي واحياء عمان تستحق التقدير فعلاً لكن ما يجب الاشارة اليه هو هذا الاهمال الذي تعاني منه امكنة عمان الاولى من حيث عدم العمل على وضع خطة تأهيلية لعمان وسط البلد وبعض الاماكن التي كانت اساس عمان.
انها دعوة لمعاودة العلاقة مع مكان كان هو المغناطيس الجاذب الذي جمع كل هؤلاء الناس حوله ووزعهم في مدينة اكتظت في زمن قياسي بالناس والبناء والعمران.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خليل قنديل جريدة الدستور