الوعي المديني هو وحده الذي يفرز في المجتمعات الدولية المتقدمة الجهات والمنظمات الدولية الناشطة التي تنزع ببساطة هويتها المحلية الضيقة لتبدأ بالعمل على توسيع دائرة الانتماء في الهوية عندها لتصبح هذه الهوية بطاقة انتماء كوكبية.
ذلك ان للحضارات الناشطة في ديناميكيتها اشتراطاتها الخاصة التي تفرخ مثل هذه المنظمات التي لا تدور في فلك رأس المال الخاضع للربح والخسارة ، بل تسعى للانضواء تحت مظلة الشرط الانساني الذي يجعلها تقوم بدورها الانساني على اكمل وجه.
ففي اللحظة التي تنهض فيها الحروب البشرية الحمقاء تجد هذه المنظمات تجند ناشطيها على الفور وتحركهم باتجاه مواقع هذه الحروب للقيام بنصب الخيام للاجئين ومحاولة توفير الغذاء والدواء لهم ومساعدتهم باسرع وقت ممكن وتخفيف الاهوال والاوجاع عنهم.
وفي اللحظة التي تترجرج فيها الارض وتحدث الزلازل المدمرة والاعاصير وكل الكوارث الطبيعية تجد مثل هذه المنظمات تتسارع في الاجابة والحضور الى موقع الكارثة الارضية لتقديم المساعدات والعلاجات اللازمة لكل من يحتاج اليها.
ان هذه الهمّة الانسانية الحقيقية بعيدة كل البعد عن الدعم اللوجستي الحكومي الدولي بمعناه التسييسي االصارم. وقريبة كل القرب من استنهاض روح الناشط وتحريك الدوافع الانسانية في اعماقه لخدمة اخيه الانسان بغض النظر عن الجغرافيا وحماقة العرق واللون.
هؤلاء الذين تراهم في افغانستان وفي العراق والصومال والسودان واخيراً في اليمن وغزة يقومون على خدمة المتضررين من الحروب والحصارات هم من يمثلون هذا الوجه الحضاري الانساني القائم على مساعدة الانسان لاخيه الانسان دون شروط مسبقة او مطالبة بتنازلات سياسية موجعة.
ما اريد قوله: إن دول العالم الثالث وباستثناءات قليلة لم تستطع ان تولد مثل هذه الظواهر الناشطة والممأسسة ضمن منظمات دولية فاعلة. وانت ان جبت الوطن العربي لن تجد جهة لها هذا الدور الدولي الناشط والمتفاعل مع الكوارث الانسانية. وستجد ان دول العالم العربي ودول العالم الثالث عموماً هي الجهة المستفيدة تاريخياً من هذه المنظمات الانسانية الناشطة.
ان فكرة ان يصبح الانسان ناشطاً دولياً بعيدة كل البعد عن شخصية العربي ، لا لشيء سوى انها فكرة تبرعية ومجانية التي لا يمكن للعربي ان يتمثلها او يكونها. ربما لسبب بسيط اساسه ان فكرة الانتماء لجهة ناشطة دولياً تقوم اساساً على مبدأ القطاف الديمقراطي. ذاك القطاف الذي لم يتذوقه الانسان العربي عبر تاريخه السياسي بعد.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خليل قنديل جريدة الدستور