في العرف الشعبي هنالك تفسيرات لحالات الإصابة بأي مصيبة او إزمة او عند حصول التوفيق، فيقال هذا "رضا او غضب والِدَين"، ويقال "ذنوب بايتة"، ويقال ايضا "عين وصابته"، وداخل أروقة تفكير فئات من النساء هنالك تفسير يعبر عنه بالقول: "معمول له عمل"، اي حجاب او ما يشابهه من شعوذة، وكل هذه التفسيرات يمكن استخدامها في تفسير حال الحكومة، باستثناء حكاية "العين" والحسد؛ لأن معاناة الحكومة الدائمة وانتقالها "برشاقة" من أزمة الى اخرى لا تجعلها موضع حسد من صديق أو عدو! فهذه الحال ليست ناتجة عن عين نظرت الى الحكومة ولم تصلِّ على النبي، عليه الصلاة والسلام. فالأردنيون قد اعتادوا على رؤية الرئيس والوزراء المعنيين إمّا في المستشفيات يتفقدون ضحايا التسمم والتلوث، وإمّا على ابواب المطاعم يتفقدون التزامها بالشروط، او في محطات ضخ المياه او غيرها من اماكن الازمات.
ولعل الارتباك والاذى الذي ألحقه اصحاب بعض مطاعم الشاورما بالحكومة اكبر مما لحق بها مع المعارضة التي لم توقع آلاف الضحايا من المصابين في المستشفيات، كما حدث في "ملف سيخ الشاورما"، فضلا عن المئات الذين (سقطوا) ضحايا لتلوث مياه المنشية، طبعا الحكومة لم تقصّر في نفسها، ولم تساعد ذاتها فكان الأداء متواضعاً للعديد من الوزراء في كل الازمات، بعضهم افلت من تحمل المسؤولية لظروف مختلفة، واقتصر الحال على وزيري المياه والصحة السابقين.
"سيخ الشاورما" هو الحزب الحقيقي في إلحاق الأذى بالحكومة، وقبلها بمئات المواطنين! ومشكلة هذا السيخ ليست محدودة وليست خاصة بهذه الحكومة، بل عابرة للحكومات والمدن والمحافظات، وأصل المشكلة الاخلاقي وشكلها القانوني يتمثلان بعدم الالتزام بالشروط. فالطمع والجشع يجعلان البعض يبيع بضاعة غير ناضجة، او اطعام الناس مايونيز قضى في الشمس ساعات، لم يعد بعدها صالحا للاستهلاك حتى لغير البشر.
وما قرأه الناس في الصحف امس ان المطعم الذي تسمم من طعامه المئات في البقعة زاره في يوم الحادثة (600) شخص اشتروا منه طعاما، وهذا الرقم يدلل على حجم الكوارث التي يمكن الحديث عنها من هذه المطاعم وأمثالها عندما تغيب القيم والاخلاق والحرص على حياة الناس.
والمضحك المبكي ما قرأه الناس امس في "الغد" ان صاحب المحل كتب على بابه يافطة ان المحل مغلق بسبب وفاة عمه، اي عدم اعترافه بما جرى، وربما لأن صاحب المحل على يقين ان الاغلاق لن يتجاوز ايام العزاء، ولو كانت الاجراءات والتشريعات حازمة لعرف الناس وأصحاب المحلات ان من تسبب سابقا بتسمم المئات في مدن اخرى دفع ثمنا غاليا وحقيقيا، ولكانوا اكثر حرصا على مصالحهم ان لم يكن الامر على صحة الناس.
الحكومة لا يمكنها ان تعين وزيرا على كل محل شاورما او مطعم، لكن ما لم تفعله الحكومات هو حسن المتابعة وتشديد الرقابة وتغليظ العقوبات، فليس مهما ان يشاهد الناس رئيس الحكومة او وزير الصحة يزوران المصابين في ملفات التسمم والتلوث، لكن المهم ان تكون الحكومات، ومنها هذه الحكومة، قادرة على اداء ما يجب لحفظ حياة الناس، فقد سقط من الضحايا في هذه القضية آلاف المواطنين، وهذه خسائر اكبر من عمليات ارهابية في دول اخرى، وعجز الحكومات قد يصل بالناس الى مرحلة الخوف عند شراء اي طعام او دواء او شرب، وهذا ارهاب خطير، وزراعة لعدم الثقة بقدرة الحكومات على توفير "امن الساندويشات".
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة