لعل اخطر ما يقال من القيادات العربية عن مؤتمر السلام المتوقع خلال ما تبقى من هذا العام هو التأكيد على انه لا توجد اجندة واضحة للمؤتمر، ولا توجد قضايا محددة معروفة تمثل جدول الاعمال، ذلك ان غياب الاجندة يجعل من هذا المؤتمر فرصة لبحث العديد من السيناريوهات والقضايا وفق فوضى الاولويات، او بشكل اكثر وضوحا وفق اولوية اميركية صهيونية، ليست وفق ما تقوله الدول العربية من مبادرة عربية او غيرها من الافكار التي يتبناها الطرف العربي.
إذا كانت الأجندة غير واضحة، فإن هذا لا يعني ان اسرائيل ستدخل المؤتمر دون اجندة واضحة! فالطرف الصهيوني يعلم ان المبادرة العربية ليست ارضية للمؤتمر، ويعلم ان الطرف الفلسطيني يعيش حالة داخلية مزرية. فالسلطة التي تفاوض رئاستها لم تعد تمثل كل مناطق السلطة، فغزة خارج سيطرتها والسلطة في وضع ضعيف يجعلها تبحث عن دعم اميركي وإسرائيلي، ليس لإعادة الحقوق الكبرى بل لمواجهة خصمها الفلسطيني، والحكومة الاسرائيلية نجحت في ان تحول الكثير من لقاءاتها مع رئاسة السلطة الى لقاءات لبحث القضايا الإجرائية من معابر وأموال محتجزة وإخراج اعداد من الاسرى.
تدرك الحكومة الصهيونية انها ليست تحت ضغط المقاومة التي لم تعد موجودة سواء كانت مقاومةً سلمية مثل الانتفاضة أم مقاومةً عسكرية مثل العمليات, والصواريخ التي تطلق بين الحين والآخر ليست عامل ضغط كبير على الطرف الاسرائيلي، اي أنّ اسرائيل متحررة من الضغط السياسي او العسكري الفلسطيني.
اما الطرف العربي فإنّ جوهر موقفه هو التأكيد على ضرورة اقامة الدولة الفلسطينية التي لن تسمح لها اسرائيل بالوجود، ونتحدث هنا عن الدولة الحقيقية، لكن الطرف الاسرائيلي سيبقى يسعى الى تفريغ فكرة الدولة من مضمونها، مرة عبر فكرة الكونفدرالية او الفدرالية او المماطلة واستغلال الحالة الفلسطينية القائمة على التنازع والانقسام السياسي والجغرافي، بل ان الطرف الاسرائيلي يفكر في فكرة الدولة المؤقتة او الدولة الانتقالية، وهي دولة غير حقيقية تكون كفيلة بتحقيق شرط الكونفدرالية او الفدرالية، دولة مؤقتة او انتقالية ليست مقصودة لذاتها، بل لصناعة اجواء قادرة على تمرير الضغوط باتجاه تحرير المحتل الاسرائيلي من دفع ثمن احتلال، ليكون على حساب الشعب الفلسطيني والدولة الاردنية عبر صيغة ظاهرها الوحدة (تحت شعار العلاقة المميزة)، وحقيقتها ضم الضفة للأردن وتوطين اهلها في الدولة الاردنية.
الدولة الانتقالية اشبه بـ"المحلِّل" الذي يقوم بالزواج من الطليقة زواجا شكليا لتصبح بعد أن يطلقها قادرة على العودة لزوجها الاصلي، وربما هي رأس مال وهمي يُعطى للفلسطينيين، ليقال ان لهم مساهمة في الفدرالية او الكونفدرالية التي يجب ان تسمى باسمها الحقيقي وهو التوطين والضم.
قد تكون افضل النتائج لمؤتمر السلام الا يحقق شيئا، وأن يكون محطة مماطلة اميركية وإسرائيلية جديدة، فهذا افضل من نجاح الإسرائيليين والادارة الاميركية في استغلال الوضع الفلسطيني السيئ والفشل الحقيقي للسلطة الفلسطينية لتمرير اي حلول تحمل في ظاهرها تحقيق الرؤية الاميركية بإقامة الدولة الفلسطينية، لكنها في حقيقتها قد لا تصل الى ما تم الوصول اليه من سلطة شكلية وهمية.
لم يعد انجازا عربيا اظهار التشاؤم من مؤتمر الخريف للسلام، فموازين القوى القائمة ليست قادرة على صناعة انجاز عربي وإعادة الحقوق. لكن الخوف من انجاز اسرائيلي جديد يستغل اندفاع العرب والسلطة لتحقيق اي خطوة على صعيد عملية السلام، ويستغل موازين القوى القائمة، ويستثمر في الوضع الفلسطيني الذي لا يخدم تفاوضا ولا مقاومة.
اما الملفات الكبرى مثل اللاجئين فما تقدمه اسرائيل هو تحقيق حق العودة، لكن داخل اطار الكيان الفلسطيني، اي لا عودة حقيقية، وربما لدى الطرف الاسرائيلي قناعة بأن ما في داخل الطرف الفلسطيني والعربي حديث من باب ارضاء الضمير عن حق العودة والقدس، وان هناك قبولا بالوقائع القائمة، قبول لا يلغيه الحديث السياسي العام.
العودة الى اراضي السلطة امر شكلي؛ فهي سلطة طاردة لمن فيها، بحكم وضعها السياسي والامني والاقتصادي؛ فكيف تستقبل اللاجئين والنازحين؟ مرة اخرى ليست المشكلة في فشل مؤتمر الخريف، بل في ان يتحول الى ممر لفرض تسويات وحلول تطبخها دوائر صنع القرار في واشنطن وتل ابيب لاستغلال حرص معسكر الاعتدال على تحقيق شيء وضعف رئاسة السلطة وأولويتها في كسب اي اوراق، ولو شكلية، في معركتها الداخلية.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة