لعل عمان من المدن التي شهدت تطوراً وقفزات نوعية من حيث عدد السكان. فعمان ليست فقط العاصمة التي يتضاعف عدد سكانها في النهار نتيجة الهجرة اليومية لها للعمل والدراسة والمعاملات، بل يُضاف الى هذا انها استقبلت مئات الآلاف من الاشقاء العراقيين، بخاصة بعد الاحتلال الاميركي للعراق، فمعظم الاشقاء الذين تركوا بلادهم هرباً من الموت والفوضى كانوا من اصحاب المال، جاءوا بأموالهم واختاروا عمان للسكن فيها والاقامة، اي ان سكان عمان زادوا بنسبة ليست قليلة، وهذا يجعلنا لا نتردد في تقبل تقديرات البعض بأن عمان زاد سكانها عن (3) ملايين نسمة إن لم يكن اكثر.
ليست عمان وحدها هي التي تشهد هذه الطفرات السكانية، فلدينا مدن اخرى، لكن عمان هي التي تتحمل العبء الحقيقي الكبير، وهذا يعني ان على الحكومة وامانة عمان جهداً في جعلها قادرة على استيعاب كل هذا.
فاتورة توسع عمان سكانياً هي فاتورة بنية تحتية، فدخول ما يقارب من مليون ساكن على اي مدينة يرهق مدارسها وشوارعها وشبكات المياه والصرف الصحي، وتحتاج ايضاً الى أمن اضافي، اي إلى اعداد اضافية من رجال الأمن بكل اصنافهم، ولا نقول هذا لأن هناك تقصيراً أمنياً، لكن هنالك جهد امني اعتيادي وحياتي، وضبط ايقاع الحياة يحتاج الى جهد اداري.
عمان مدينة بحاجة الى جهود اضافية حتى في قضايا قد لا نتوقف عندها، مثل الرقابة الصحية على المطاعم والاسواق، وكل ما يقدم للناس، وكادر ادارة عمان من الوزارات او الاجهزة الاخرى، بما فيها امانة عمان، لم يعد يكفي بعد ما لحق بها التوسع السكاني الكبير والكفيل بهدر كل جهود المجلس الاعلى للسكان الذي يحاول اقناع الاردنيين بتخفيض نسب المواليد.
ولو اخذنا قطاع التربية والتعليم مثلاً؛ فإن الطفرات السكانية في عمان وبعض المدن وتوسع التعليم الخاص لاستيعاب القادمين من الاشقاء يحتاج على الأقل الى رقابة من وزارة التربية عبر مديرية التعليم الخاص، ويحتاج ايضاً الى رقابة من وزارة العمل على تطبيق هذه المدارس لقانون العمل، ويحتاج الى كادر اضافي من ادارة السير وغيرها من عمليات التوسع الاضطراري.
واليوم هنالك فتح لأبواب المدارس الحكومية للأشقاء العراقيين، فهذا يعني اضافة الآلاف ان لم تكن عشرات الآلاف من الطلبة الى المدارس الحكومية، هذه المدارس التي تشكو حالياً من وجود نسبة منها قديمة او مستأجرة، وهنالك نقص في المعلمين والادوات ومتطلبات التعليم فضلاً عن الاكتظاظ في الصفوف المدرسية الموجودة في عدد كبير من مدارس المملكة بما فيها مدارس عمان.
لو اخذنا مثلاً قطاع الصحة من مستشفيات حكومية ومراكز صحية والتي تم فتحها ايضاً امام قطاعات واسعة من ضيوف الاردن، وهي قطاعات لديها - في الأصل- مشكلات نقص الادوية والمعدات ونقص الكوادر من اطباء وممرضين وفنيين، ولا تكاد تكفي لخدمة الاردنيين، لكن فتحها امام الآلاف او عشرات الآلاف من الضيوف دون احداث توسع حقيقي فيها او حل مشكلاتها الاساسية يعني صناعة مشكلات اضافية.
ما اريد قوله ان على الحكومات ان تعيد النظر بحجم الكوادر والامكانات والاجهزة المعنية بإدارة الحياة في العاصمة وفي كل المدن التي اصابتها الطفرات السكانية، أمّا ترك الأمور على حالها دون مراعاة لكل ما طرأ وما يقتضيه الأمر من زيادة مستلزمات الإدارة والمتابعة فهذا يعني اننا نترك الباب واسعاً لتجذر المشكلات او ظهور الجديد منها.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة