رغم انني كنت من المتحفظين على الاتفاق الذي ابرمته الحكومة مع الطرف الاسرائيلي حول قضية الاسرى الاردنيين الاربعة الا ان الرضا الذي لمسته وسمعته من بعض اهالي الاسرى مما تحدثوا به للإعلام جعلنا نحترم هذا الرضا، ونقدر للحكومة جهدها ووجهة نظرها بأن هذا هو اقصى ما استطاعت الحصول عليه، وان وجود الاسرى في وطنهم، حتى ولو في السجن، افضل من ان يكونوا تحت حكم الجلادين الصهاينة.
لكن احد المخاوف الذي يرتبط بهذا الاتفاق ان تحول القضية الى مصدر قلق وتجاذب اردني داخلي، اي ان تتحول الى قضية داخلية نختلف عليها بدلاً من ان تكون مشكلة للطرف الصهيوني. وهذا ما نلمسه خلال هذه الايام مع اضراب هؤلاء الاسرى عن الطعام ونقلهم للمستشفى، فأصبحت هذه القضية عبئا علينا جميعاً حكومة واسرى واهالي، وهذا امر يفترض ان نعمل على تجاوزه. فقد توافق الاسرى واهاليهم مع الحكومة على مضامين الاتفاق، ورأى الجميع فيه حلاً معقولاً ضمن ما هو متوفر، لكن يفترض ان يُعمّم التوافق الى كل القضايا الخلافية التي ظهرت خلال الاشهر الماضية سواء فيما يتعلق بظروف السجن او الزيارات او حتى القضية التي وقفت وراء الاضراب الاخير.
الامر يستحق من الحكومة والجهات المعنية والاسرى توافقاً سهلاً وممكناً، فهؤلاء ليسوا في السجون الاردنية عقاباً لهم او لأنهم من وجهة نظرنا جميعاً قاموا بفعل يستحقون عليه العقوبة. والحكومة الاردنية لا تنفذ حكماً قضائياً اسرائيلياً، لكن وجودهم في السجن هو "حل سياسي"، وهذا كله يعني اننا لا نعاني من مشكلة وطنية، وما دام الاسرى واهاليهم والحكومة توافقوا على هذا الحل، فمن السهل ان يتم التعامل مع كل القضايا التفصيلية والاجرائية. فنحن -في المحصلة- لا نريد ان نصنع لأنفسنا مشكلة بعد ان كانت الحكومة ترى في الاتفاق انجازاً والاسرى اعتبروه خطوة ايجابية.
عندما نتمعن في اسباب الاضراب الحالي فهي ليست امراً يصعب التفاهم حوله. فالأسرى يريدون من الحكومة ان تلتزم بوعدها بمتابعة قضايا بقية الاسرى الموجودين في السجون الصهيونية، ولا اظن ان الحكومة لديها مشكلة في التأكيد على حرصها على حل المشكلة، وبقية الاسباب تتعلق كما قرأنا في الصحف بشروط الاقامة والخدمات اي قضايا ليست كبيرة، لكن تحويل الامور الى اضراب عن الطعام واخبار في الصحف والفضائيات وضرر بصحة الاسرى يقدم القضية للعالم وكأن الاردن هو الذي يعتقل الاسرى الموجودين الآن في سجون الاحتلال او كأن الحكومة ترفض السعي للافراج عنهم.
قبل اسابيع تلقيت اتصالاً هاتفياً حمل الي صوت الاسير المحرر سلطان العجلوني، وتحدثنا في احواله وكان يبدو عليه الارتياح وهو بين اهله، فهذه مبادرات ايجابية كفيلة بأن تعطي للاتفاق روحه الحقيقية. وسأتجاوز، نظرياً، الاضراب الحالي الذي تم تعليقه لندعو جميعاً الى ايجاد ارضية تمنع تحول ملف الاسرى الى قضية داخلية تبعث القلق لأي طرف من اطرافها، وهذه الارضية تقوم على ما قالته الحكومة من ان الاتفاق هو اقصى الممكن لتحرير هؤلاء الاسرى وان وجودهم في السجن حالة مؤقتة ومتطلب سياسي لإغلاق الملف ايجابياً، وان بقية الاسرى هم جزء من اهتمام الحكومة.
فالتوافق على بعض القضايا الاجرائية بصيغة نهائية وكاملة افضل من ان نسمع بين الحين والآخر عن اضراب او احتجاج او غيرها من مشكلات لا تتناسب مع هذه القضية والتفاهم الذي توافق عليه الاسرى وأهاليهم مع الحكومة.
اما اذا غاب هذا التوافق الجذري فإننا نحقق هدفاً اسرائيلياً كان يقف وراء الاصرار على قضاء الاسرى فترة من السجن في الاردن وتحويلها الى ملف داخلي سلبي.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة