احيانا يشعر المواطن بالاستغراب من بعض ما يراه، فقرار بإحالة مسؤول كبير على التقاعد من موقعه يصدر اليوم مثلا، وبعد ايام اي مع اول يوم ثلاثاء يصادفه يكون القرار بتعيينه في وظيفة هامة ايضا، احيانا تكون من ذات النوع او من نوع آخر لا علاقة له به.
والطريف ان تسمع تبريرا بأن "الدولة" تريد ان تكرم هذا الشخص على خدمته السابقة، وكأن الخدمة السابقة كانت عقوبة يقضيها او كان يعيش في معاناة. فما هو التكريم الذي يأتي بعد وظيفة هامة بامتيازاتها والجاه والمال والسلطة!
في كل دول العالم يدخل اشخاص الى مواقع هامة يقدمون ما لديهم من خبرات ويتقاضون تكريما بوضعهم فيها وينالون امتيازاتهم، لكن حكاية الانتقال من الوظائف المختلفة بحجة تكريمه او "تطييب خاطره" لأنه خسر وظيفته الاولى فهذا اختراع ندفع ثمنه من قدرة الجهاز الرسمي. فالتعيين احيانا يكون بالواسطة او لعلاقة "ما"، واعادة التعيين تكريم او جبر خاطر، وبعد سن معينة يذهب مستشارا رفيعا او التكريم بعضوية مجلس الاعيان، ولهذا يقضي حياته يحصد قرارات التعيين والتكريم وجبر الخواطر.
الحكومات ايضا تفتقد الى العطف على هؤلاء المسؤولين، فلا تترك لأحدهم فرصة ليعيش في بيته اياما، فلا يكاد يخلع اللقب واللباس الرسمي او يغير نمرة السيارة حتى يكون المسكين مطالبا بالعمل في الوظيفة الجديدة؛ لهذا فاننا نرجو من الحكومات ان تكون رحيمة بهؤلاء وان تتركهم يشعرون بأيام من الملل! او تعطيهم اياما لشراء هواتف خلوية جديدة واستقبال بعض الضيوف او حتى الشعور بالتقاعد، اما هذه "القسوة" عليهم فأمر لا يجوز.
بهذه المناسبة؛ فان وزارة الخارجية اصبحت هي الحل لتوفير الوظائف الجديدة والرفيعة، فلا تمر اسابيع الا ويتم تعيين سفراء جدد، وبعضهم يأخذ اللقب والراتب ولا يجد له عملا. فأصبح هؤلاء مستشارين، اي بلا عمل، لكن برتبة سفير. وهذا الموقع يفترض انه موقع سياسي وفني صاحبه كان جزءا من عمل الوزارة واكتسب المعرفة والدبلوماسية ويفهم السياسة والعلاقات الدولية، لكن الحكومات عبر كل التعيينات مارست تغييرا لمفهوم السفير، فكل من تحب "الدولة" ان "تكرمه" او "تزبطه" تعينه سفيرا واحيانا سفيرا بلا سفارة، وهذا اضعف من الموقع ومؤهلاته وحمل ظلما ايضا لكادر الوزارة الذين من حقهم ان يصعدوا السلم ويأخذوا فرصتهم.
هذه الوزارة اصبحت ايضا تعطى لوزراء لم يدخلوها سابقا الا مراجعين، طبعا لا ننسى وزارة الداخلية والموقع الوهمي وهو المستشار، فهي اماكن للتكريم.
هنالك فئات لا تتردد بقبول اي موقع، حتى لو كان اقل من موقعها السابق. فالمهم ان تبقى السيارة حكومية ويظل البنزين مجانا وان يبقى موظفا عاما. وبعض هؤلاء معذور لان قيمته في المجتمع بما لديه من مواقع وظيفية، وحين يغادر تجف العلاقات ويصبح رنين الهاتف قليلا حتى وهو يتخلى عن "الرقم الخاص" ويعمم رقمه على الجميع!
المراجع
alghad.com
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة العلوم الاجتماعية