(أسمَعُ جَعْجَعَةً ولا أرى طَحْناً)!.. مَثَلٌ يُضرَب للرجل الذي يُكثِر الكلام ولا يعمل.. و(جَعْجَعَ) تعني: اشتدّ هديرُهُ وعَلاَ صوتُهُ. وقد غدت الجعجعة أسلوباً حديثاً لمقاتلة العدوّ!.. فكلما احتلّ العدوّ أرضاً من وطننا أو مارس إرهابه وجرائمه، وكلما (جَهَشَت) النساء أي: هَمّت بالبكاء، وكلما انتفض الأطفال داخل الوطن الجريح في وجه الغاصب المحتلّ، وفضحت الـ (جرائد) كل جبانٍ (وهو ضد الشجاع).. فإنّ الجعجعة تمتدّ وتشتدّ!..
قد تأخذ الجَعْجَعَةُ أشكالاً عدة: فمثلاً هناك طريقة التجريس و(جَرَّسَ) بالعدوّ تعني: سَمَّعَ به وندَّد، و(جُرْسَة) تعني: تنديد!.. وغالباً ما يقوم بهذا التجريس دجّالو شعار الممانعة (الصمود والتصدّي سابقاً) ومشعوذو مؤسّسة الـ (جامعة العربية)!.. و(جامعة) تعني: مجموعة معاهد علميةٍ تُسمى كليّات لها مهمة أساسية هي التعليم وتخريج المِلاكات العلمية اللازمة لبناء الوطن وتحقيق نهضته.. أما الـ (جامعة العربية) فهي: (مجموعة دولٍ تُدعى الدول العربية وتختصّ هذه الجامعة بثلاث مهمّاتٍ رئيسيةٍ هي: التجريس أو التنديد والاستنكار والاستغاثة)!.. وفي الظروف الصعبة القاهرة الحالكة التي تشتدّ فيها انتهاكات العدوّ واعتداءاته .. قد يتم اللجوء إلى سلاح (التوسّل) بدلاً من التجريس أو التنديد!..
فضلاً عن طريقة (جَعْجَعَ) لمقاتلة العدوّ ومحاربته.. هناك طريقة (جَهْجَهَ) أي: صاحَ البطلُ في الحرب.. وبما أننا نعيش عصر السلام والرخاء!.. فقد طُوِّرَت هذه الطريقة بتعديل معناها إلى: صاح البطل في السِّلْم!.. والجَهْجَهَة أو الصياح، تُمارَس عبر كل الإذاعات والقنوات الفضائية وعلى كلّ الموجات العاملة: المتوسطة والقصيرة، بما فيها موجات الـ (إف-إم)!..
أما الطريقة (الحربية) الثالثة لمقاتلة العدوّ فهي: طريقة (جَهُرَ) إذ يُقال: جَهُرَ الصوتُ أي: عَلاَ أو ارتفع.. وهذه الطريقة تتحقق على مراحل عدّة، تبدأ بمرحلة (جَمَعَ) أي: (ضمَّ المتفرّق بعضه إلى بعض) كأن يُقال: (جَمَعَ القومُ لعدوّهم) أي حشدوا لقتاله.. وقد ورد في محكم التنـزيل قوله عز وجل: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران:173).. أي أنّ الأعداء حشدوا لقتالكم، لكن في عصرنا: عصر النظام الأميركيّ الصهيونيّ الجديد الذي يستمتع فيه العالَم برخاء السلام العتيد.. فإنّ (جَمَعَ) لا تعني حَشَدَ لقتال العدوّ، بل حَشَدَ لزيادة كفاءة الحبال الصوتية ورَفْعِ سويّة أدائها!..
* * *
قد يتم بفعل (جَمَعَ) جَمْعُ كل الدول المعنية على اختلاف أنظمتها: الملكية والجمهورية.. في قاعةٍ واحدةٍ خاصةٍ بالجامعة العربية الآنفة الذكْر، و(جمهورية) تعني: (دولة يرأسها حاكِم منتَخَب من قِبَلِ الشعب وتكون رياسته لمدةٍ محدّدة).. وقد طُوِّرَ معنى الجمهورية فأصبحت تعني: (دولة يرأسها حاكِم منتَخَب من حاشيته وتكون رياسته لمدةٍ غير محدّدة)!.. ومؤخّراً خضع هذا المعنى إلى تطويرٍ آخر، هو ما أُطلِقَ عليه اسم: (جمهورية وراثية) وأُطلِقَ بموجب ذلك على (السيد) الرئيس لقب: (جلالة) الرئيس!.. كما استُخدِمَ تعبير: (البلاط الجمهوريّ) أسوةً بتعبير (البلاط الملكيّ) المستخدَم في الدول ذات النظام الملكيّ!..
حين يلتئم الشمل بفعل (جَمَعَ) وترتفع الأصوات بفعل (جَهُرَ) ويتجلجل الكون والفضاء بفعل (جَعْجَعَ) و(جَهْجَهَ).. ثمّة مَن يدعو إلى (جهاد) العدوّ!.. والجهاد يتفرّع -كما نعلم- إلى جهاد النفس وجهاد الشيطان وجهاد القلم وجهاد المال.. وجهاد العدوّ أو قتاله.. لكنّ قومنا ابتكروا أنواعاً أخرى للجهاد، فهو في أيامنا هذه لا يعني بأي حالٍ من الأحوال -على ذمة المبتكِرين- قتال الكفار، فـ (جاهَدَ) العدوَّ أصبحت تعني بِعُرْفهم: (صالَحَهُ أو صافَحَهُ أو دَغْدَغَهُ أو لاطَفَهُ أو توسَّلَ إليه)!.. ولا يُسمَحُ بالجهاد في أيامنا إلا عبر الإذاعات الرسمية، وهو نوع مبتَكَر من الجهاد يُدعى: (الجهاد الإذاعيّ) فإذا كان عبر التلفاز أُطلِقَ عليه اسم: (الجهاد التلفزيونيّ)!..
كلّ أنواع الجهاد التي ذكرناها والتي لم نذكرها.. هي -عند حكومات (جَمَعَ)- من العمل الآثم المحرَّم، إلا النوعين الأخيرين (الإذاعيّ والتلفزيونيّ)، فهما فَرْضُ عَينٍ على كل (جَيْشٍ) عربيٍ وإسلاميّ حتى تحرير الأرض والعِرض والإنسان المسلم من كل أنواع الاحتلالات والعدوان!.. و(جَيْشٌ) تعني: (الجُند أو جماعة الناس في الحرب) ومعناها اليوم عُدِّلَ إلى: (جماعة الناس في السِّلْم)!.. إذ يمكن تجييش الجيوش الجرّارة للقيام بمهمة الجهاد الجديدة المسموح بها من قبل الأنظمة العربية والإسلامية، فأصبح الجيش جيوشاً إذ يُقال: جيشٌ من الموظفين والموظفات، وجيشٌ من المذيعين والمذيعات، وجيشٌ من محرّري الصحف والمجلات، وجيشٌ من المطربين والمطربات، وجيشٌ من الراقصين والراقصات، وجيشٌ من الممثّلين والممثّلات.. وجيشٌ من المستنكِرين والمستنكرات، وجيشٌ من المتوسّلين والمتوسّلات، وجيشٌ من المستغيثين والمستغيثات، وجيشٌ من النائمين والنائمات.. بل جيشٌ من الميّتين والميّتات.. إلى آخر قائمة الجيوش الجرّارة الحديثة التي تنفِّذ فريضة الجهاد الجديدة العجيبة على أكمل وجه!..
أما أسباب ما ذكرناه، فتكمن في شيوع حالة الجُبْن، و(جَبُنَ) تعني: (تهيّبَ الإقدام على ما لا ينبغي الخوف منه) كالعدوّ الصهيونيّ التافه أو كالإدارة الأميركية المتخبِّطة الساذجة.. مثلاً!..
أحد أطفال غزّة المحاصرة بالحديد والنار والتواطؤ والصمت العربيّ والدوليّ، الذين يواجهون الآلة العسكرية الصهيونية بصدورهم الغضّة العارية.. أحد أولئك الأطفال الأبطال.. اقترح على أعضاء (جَمَعَ) وجيوشهم الجرّارة أن (يَجُبُّوا شواربَهم وخِصِيَّهم)!.. و(جَبَّ) الشيءَ تعني: (قَطَعَهُ أو مَحَاه)، وفي الحديث الشريف: (إنَّ الإسلامَ يَجُبُّ ما قَبْلَهُ) أي: يقطع أو يمحو ما كان قبله من الذنوب والكفر!.. لكنّ الطفل البطل صاحب الاقتراح المدهش، ذُهِلَ للمفاجأة التي اكتشفها أكثر من ذهوله لوحشية طائرات الأباتاشي الصهيونية، إذ اكتشف أن فِعْل (جَبَّ) قد أنجز مهمّته منذ أكثر من نصف قرنٍ سبق لحظة اقتراحه.. وعندها فحسب، استطاع أن يفهمَ كلَ ما يدور حوله من الجَعْجَعَةِ والجَهْجَهَةِ والجَهْوَرة!..
المراجع
almoslim.net
التصانيف
أدب مجتمع