بعض القضايا تفسد، حتى من يؤدون واجبهم، فرحة الانجاز. ولعل كل من ادى واجبه خلال الايام الماضية له حق الشكر والتقدير، لكنني سأتوقف عند قضية واحدة ما يستدعي المراجعة والحساب للمقصرين، وهي انقطاع الكهرباء عن بعض محافظات الجنوب اكثر من يومين خلال العاصفة الثلجية، ما جعل اجزاء واسعة من محافظتي الكرك والطفيلة تعيش اياما في الظلام. فلم يكف الناس البرد والهواء والثلوج، بل عاشوا في ظلام بكل ما يعنيه انقطاع الكهرباء من نقص خدمات اساسية في الافران وحتى شحن الهواتف الخلوية.
احد ابناء الجنوب قال ساخرا "ان العالم كله وقف مساندا لاهل غزة عندما انقطعت عنهم الكهرباء يوما واحدا لان هذا ألحق الأذى حتى بالقدرة على الحياة للمرضى"! فأين حرص شركة الكهرباء او وزارة الطاقة او هيئة تنظيم قطاع الطاقة على حق اهل الكرك والطفيلة، ام اننا سنسمع من المسؤولين ان العاصفة شديدة، وان الظروف لم تسمح بمعالجة الخلل، وسنعود لنطرح السؤال: هل الكهرباء واسلاكها وشبكتها في المحافظات التي عاشت اياما من دونها تختلف عن الكهرباء في عمان والزرقاء والمدن التي لم تنقطع فيها الكهرباء، ام اننا نكتشف او نخترع الهواء والثلج للمرة الاولى ونعرف انه يؤدي الى انقطاع الكهرباء؟!
نعلم ان الظروف الجوية تؤثر على شبكات الكهرباء، مثلما تؤثر على جوانب اخرى من الخدمات، لكن لماذا لا نضع خطط طوارئ واحتياطات لمواجهات ما هو غير عادي ام ان قطاع الكهرباء، سواء كقطاع خاص او كهيئة منظمة في الوزارة او غيرها من الجهات، يعمل فقط في ايام الشمس والهدوء!
واذا كانت الظروف الجوية تؤثر على شبكة الكهرباء فمن المتوقع انقطاع لعدة ساعات او ربما ساعات النهار، لكن اين الادارات التي تجعل الناس يعيشون يومين او ثلاثة من دون كهرباء، فجمعت عليهم البرد القارس والظلام ونقص الخدمات، ومن يحاسب هؤلاء على تقصيرهم بحق الآلاف من العائلات الاردنية؟
اذا كان هناك نقص في الكوادر والطواقم الفنية؛ فكيف تسكت الادارات على ذلك حتى من دون ان تكون هناك ظروف طارئة! واذا كان هناك ما يكفي منهم في هذه المحافظات؛ فكيف تمت ادارتهم وتوجيههم وكيف كان الاستعداد لهذا المنخفض العميق الذي سمع الناس عنه وتوقعته دائرة الارصاد قبل ايام من قدومه!
قد تجد شركة الكهرباء ووزارة الطاقة عذرها بأن ينقطع التيار الكهربائي، لكن لا يمكن ان يكون هناك اي تبرير لان تعيش الآلاف من العائلات من دون كهرباء، بكل ما يعني ذلك من معاناة ونقص خدمات ليومين او ثلاثة. ولهذا فإن اساسيات الادارة ان يسمع الناس من الحكومة حسابا وعقابا للمقصرين، الذين سببوا المعاناة لابناء هذه المحافظات ومن واجب مجلس النواب، وتحديدا نواب تلك المناطق، ان يتحدثوا ويتابعوا هذا التقصير.
بعد اسابيع سيتم رفع تكلفة الكهرباء على المواطنين باستثناء الشركة التي تستهلك اقل من (160) كيلو واط، فأين هي الخدمات التي تستحق رفع الاسعار! واذا كان المواطن في الكرك والطفيلة او عجلون لا يجد ضوءا في بيته اثناء الثلوج واغلاق الطرق، ولا يمكنه متابعة نشرات الاخبار، ولا حتى شحن هاتفه الخلوي فأي تطوير وانجاز لهذا القطاع بشقيه العام والخاص!
سمعنا اسبابا ومبررات، مثل وجود الشبكات الهوائية (ليست عن طريق الكوابل الارضية)، لكن لماذا يتم الحديث عن هذه الحلول فقط أثناء العواصف الثلجية ولا يتم الحديث عنها اثناء الصيف؟!
قطاع الكهرباء دخل اطار الخصخصة منذ سنوات بحثا عن تطوير الامكانات وها هي عاصفة ثلجية تحول مدنا ومحافظات في الشمال والجنوب الى ظلام دامس، والتقصير الذي لا يتبعه حساب ومحاسبة يأخذ شرعية وكأنه امر طبيعي!

المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة   العلوم الاجتماعية