مقدمة لا بد منها

أدري لماذا بعد اليوم سأكتب هكذا (....) وتدري دوائر قريبة جدا ومخلصة لماذا أعمد إلى فعل الكتابة وبطريقة جد مختلفة مما ألفته في نفسي وما ألفه ربما قراء لي في مقالات سابقة.

لا تدرون أنتم وأخص هنا معارضة وطنية ديمقراطية التجأت إلى المنافي رغما عنها ، لا تدرون لماذا سألجأ وسيلجأ غيري إلى الرمز أو الاستعارة أو " اللف والدوران " لإيصال فكرة ما (....) وربما سيختار البعض الصمت والتوقف نهائيا عن مشاغبة الكتابة ، لذلك مطلوب شحذ الملكات العقلية وتنشيط الذاكرة وربما الاستعانة بالبصارين وضاربي الودع وقارئة الفنجان .

لا مباشرة بعد اليوم وأسماء الإشارة هذا وهذه وأولئك ممنوع استخدامها خلا التحدث عن إشارات المرور وبعض النكرات الذين لايلتزمون بقواعدها وانصباب جام النقد عليهم وعليهم فقط دون تبيان سبب تشفيطهم ، لاداع لمناقشة الجذر هنا لابأس من القول أن الثمرة فجة و(بس).

رواية " 1984 " أو (الأخ الأكبر)

الأخ الأكبر هو الآمر الناهي .

الأخ الأكبر هو من يقرر ماذا نريد وكيف ننام وكيف نأكل وكيف نشرب.

الأخ الأكبر هو الأكثر حرصا على البلد وهو من يقرر زمن السلم وزمن السلم .

الأخ الأكبر هو من يقرر متى نكتب وعن ماذا وكيف نكتب ، متى نضع ضمة هنا وفتحة هناك والكسرة تلك الحركة اللعينة إن لم نعرف استخدامها فالويل والثبور لكل حركات الإعراب الأخرى .

رأس المملوك جابر

حكاية تراثية تقوم على الصراع بين الخليفة ووزيره حيث الخليفة يريد إزاحة الوزير لأنه يشكل خطرا على وجوده والوزير لديه حلم أن يصير الخليفة ، ويتربص كل واحد بالآخر ، فيأمر الخليفة بتفتيش الخارج من المدينة والداخل إليها ، خوفا من خروج رسالة من الوزير العلقمي إلى قائد المغول . يتطوع أحد مملوكي الوزير وهو (جابر) لإيصال الرسالة على الشكل التالي :

أن يقوم الوزير بكتابة الرسالة على رأس جابر بعد حلاقته جيدا ، وحينما ينمو الشعر ثانية ويغطي الرسالة ، آنذاك يستطيع الخروج حيث يريد . ويطلب جابر ثمن أدائه لهذه المهمة حريته ويتزوج من (زمردة) جارية الوزير .

يغلق الوزير على جابر باب غرفة مظلمة ولا يراه الإنس أو الجن ويظل في غرفته حبيسها حتى ينمو شعره .

ينطلق جابر إلى قائد المغول لتبليغه الرسالة (طلب النجدة ) ولكن الوزير يطلب من ذلك القائد أن يقتل حامل الرسالة جابرا الذي حمل موته تحت فروة رأسه ، كما قال سعد الله ونوس في مسرحيته الشهيرة " مغامرة رأس المملوك جابر " .

لست هنا في موقع الناقد لتلك الحكاية كما جسدها مسرح سعد الله ونوس فلذلك الموقع أهله ولا للحديث عن المملوك جابر الذي أراد أن يتحرر من عبوديته فكان الثمن أن ضيع رأسه وإنما أردت من تلك الحكاية التراثية الرمز والدلالة ، فـ (جابر) السوري الذي يحمل في عبّه ، لا يعرف ماذا يحمل ، ينطلق صباحا من الرقة أو الحسكة أو اللاذقية أو حمص وحلب والسويداء متوجها إلى دمشق وقد يعود وقد لا يعود وهو في طريقه يتكثف الزمن حتى لتغدو الدقيقة دهرا ، يفترسه القلق ويقضمه الخوف ...

جابر السوري وجابر الحكاية التراثية يجمعهما قاسم مشترك أنهما طلاب حرية وان يفترقان بعد ذلك، ف (جابر) سعد الله ، أناني ، انتهازي ، أراد حريته لوحده فكان أن سحقته السلطة بينما جابر السوري يدرك أن الطريق ليست معبدة وكل يوم جابر وراء جابر .  

الغلام القتيل

هو عمرو بن العبد و " طرفة " لقب غلب عليه. عاش ستة وعشرين عاما فقط ولهذا عرف باسم "الغلام القتيل ".

موته :

توجه طرفة إلى بلاط الحيرة حيث الملك عمرو بن هند ، وكان فيه خاله المتلمس ( جرير بن عبد المسيح ) وكان طرفة في صباه معجبا بنفسه يتبختر في مشيته ، فمشى تلك المشية مرة بين يدي الملك عمرو بن هند فنظر إليه نظرة كادت تبتلعه . وكان المتلمس حاضرا فلما قاما قال له خاله : " يا طرفة إني أخاف عليك من نظرته إليك " . فقال طرفة : " كلا " .

بعدها كتب عمرو بن هند لكل من طرفة والمتلمس كتابا إلى المكعبر عامله في البحرين وعمان ، وإذ كانا في الطريق بأرض بالقرب من الحيرة رأيا شيخا دار بينهما وبينه حديث . ونبه الشيخ المتلمس إلى ما قد يكون في الرسالة . ولما لم يكن المتلمس يعرف القراءة ، فقد استدعى غلاما من أهل الحيرة ليقرأ الرسالة له ، فإذا فيها :

"باسمك اللهم.. من عمرو بن هند إلى المكعبر.. إذا أتاك كتابي هذا من المتلمس فاقطع يديه ورجليه وادفنه حيا".

فألقى المتلمس الصحيفة في النهر ، ثم قال لطرفة أن يطلع على مضمون الرسالة التي يحملها هو أيضا، فلم يفعل، بل سار حتى قدم عامل البحرين ودفع إليه بها.

قلما وقف المكعبر على ما جاء في الرسالة أوعز إلى طرفة بالهرب لما كان بينه وبين الشاعر من نسب ، فأبى . فحبسه الوالي وكتب إلى عمرو بن هند قائلا : " ابعث إلى عملك من تريد فاني غير قاتله " .

فبعث ملك الحيرة ، رجلا من تغلب ، وجئ بطرفة إليه فقال له : " إني قاتلك لا محالة .. فاختر لنفسك ميتة تهواها " . فقال له : " ان كان لابد فاسقني الخمر وافصدني " . ففعل به ذلك .

إن مات طرفة على هذا النحو وأنه حمل الكتاب الذي يحوي أمرا بقتله وكان هناك للنجاة طريقا يسلكه كما فعل خاله المتلمس ، فان هذا يدل على مدى الكبرياء وعنفوان الشباب والثقة بالنفس التي كان طرفة يتمتع بها وان كانت في أخر الأمر سببا لمقتله ، وطرفة هنا لا يشبه (جابر ) سعد الله ونوس وان حمل الاثنان كتابا يأمر بقتلهما، أحدهما في فروة رأسه والأخر في يمينه .

طرفة هنا يشبه جابر السوري يحمل كتاب قتله كل يوم .

الثقة والاعتداد بالنفس ووضوح الهدف وبذل الغالي لتحقيقه هو ما يجعل الزمن يتلاشى حتى ليتراءى أن سنة 569 ميلادي ، عام مقتل طرفة تشبه سنوات ال 2000 وما تلاها .

طرفة الشاعر الجاهلي المبدع عانى من ظلم الأقرباء وهو أشنع ضروب الاستبداد لأنه يأتي من الأيدي التي نحبها والتي نظن أننا نأمن شرها . وليس للرمز أو الإيحاء أو الدلالة من متسع هنا إلا قول طرفة:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا           ويأتيك بالأخبار من لم تزود

               


المراجع

odabasham.net

التصانيف

أدب  مجتمع