لعل كل شعب او امة منتمية لذاتها وقيمها لا تملك الا ان تبحث عن أي وسيلة لتذكر رجالها وشهدائها والذين تقدموا كل الصفوف ليقولوا بصدق وفروسية كيف يكون الانتماء، وكيف يقدم الانسان جسده وروحه فداء لوطنه ودفاعا عن حق شعبه بالحياة والأمن.
انهم رفاق الانبياء في جنان الله تعالى، وهم الفئة الوحيدة التي وصفهم الله بالحياة فهم "احياء عند ربهم يرزقون" ليكون تكريم الله تعالى للشهيد ملموسا ومعلوما، لمن لم يتقنوا لغة التضحية احياء مثلنا لكن ليس مثل حياتنا بكدها وتعبها بل عند الله تعالى.
الشهداء رفاق الانبياء، وهم ذلك الصنف من البشر الذين تقدموا علينا جميعا، ليس بجاه او بلاغة او قدرة على القفز من موقف لآخر ومن مصلحة لأخرى، بل بالتضحية. فالشعب الذي يتقن ابناؤه لغة الشهادة يملك مقومات الحياة وصناعة الأمن، ولهذا فحين نكرم الشهيد ونمارس الوفاء بحق اهله او من لهم صلة به فنحن نعمق قيمة كبرى، وقبل هذا نكرم الوطن الذي قدم الشهداء له كل شيء ليبقى، فغادروا الدنيا تاركينها لنا، لكنها دنيا مزروعة بالقيم النبيلة والمعاني الكريمة.
والشهادة ليست لحظة الموت لكنها علاقة ايمانية وطنية بين الفرد والعز والكرامة والرغبة في الاجر والثواب، والحرص على حياة اهله وشعبه. والشهادة معنى كبير يفترض ان يكون لدى كل فرد تجاه وطنه وأمته ونقيضه الانتهازية والمصلحية، ولهذا فحين تغيب قيمة الشهادة والتضحية تزداد صفوف الانتهازيين الذين يرون في اوطانهم مواقع وأموالا ومكاسب، وأحيانا يحاولون اقناع الناس بأن مكاسبهم ومصالحهم المتزايدة مصلحة لأوطانهم وشعوبهم، وان ترفهم وأشخاصهم وبقاءهم في كل موقع هو ضمان الخير للناس.
امس كانت ذكرى معركة الكرامة التي نحبها لأنها تذكرنا بتلك الفئة الصادقة من الاردنيين الذين تقدموا علينا جميعا بصدقهم ورائحة المسك في دمائهم. وهي مناسبة لنتذكر ونذكر كل شهداء الاردن في كل مكان وموسم فداء. نذكرهم لانهم يعمقون معنى الخير والانتماء الصادق عندما يخيل لبعضنا احيانا مما نشاهده من البعض ان الانتماء قد تحول (سعرُ صرفه) من لغة الدم والصدق الى لغات يخترعها البعض، لكن من يقدم دمه وروحه ليس كمن يقدم فاتورة ليأخذ ثمن كل انتماء وهمي.
نحب "الكرامة" لأنها عنوان اردني عربي، تذكرنا دائما ان تراب الاردن وأهله غني بالصادقين، وغني بمن احبوا وطنهم وما زالوا، فمنهم من اكرمه الله بالشهادة ومنهم من يمارسون الكرامة بالعفة ونظافة اليد والحرص على كل قطرة ماء وحفظ لكل قرش واتقان العمل ومحاربة الفساد.
الكرامة عنوان لكل صدق نمارسه نحو وطننا، وعنوان لكل كلمة حق نحو خطأ نرى فيه خطرا على الناس والبلاد، والكرامة لغة لمن يرى في الاردن وطنا يستحق ان يكون الصدق في الانتماء اليه اهم من رضا البعض او غضبهم.
نحب شهداءنا حتى وان لم نعرف اسماءهم وصورهم، لكننا نراهم في امن اطفالنا وكل خير نحن فيه، ونتمنى ان تكون لغة الشهادة اللغة الرسمية التي نتعامل بها مع وطننا. فالشهيد يعطي ولا ينتظر من البشر اجرا، ولا علاقة للشهادة لمن يأخذ كل الاثمان مقابل ان يتحدث عن العطاء.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة