ذكرت السيرة أن صفية رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم تروي أن أباها وعمها رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل المدينة المنورة ، وأنهما عادا كالين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى ، قالت فهششت إليهما كما كنت أصنع ، فوالله ما التفت واحد منهما – مع ما بهما من الغم 0 ، قالت : وسمعت عمي أبا ياسر يقول لأبي حيي بن أخطب : أهو هو ؟ قال : نعم والله . قال : أتعرفه وتثبته ؟ قال : نعم . قال : فما في نفسك منه ؟ قال : عداوته والله ما بقيت .
وهم – اليهود – كانوا يهددون عرب يثرب بالنبي المنتظر ، وأنهم سيتبعونه، ويقتلون تحت إمرته العربَ قتلَ عاد وإرَم . فما الذي جعلهم حين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهم الذين كانوا ينتظرونه- يعلنون عداوته دون سبب ؟ ويكيدون له ويؤلبون عليه العرب المشركين ويمدونهم بالمال والسلاح لقتاله؟ .. لعل سبب العداوة أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن من بني يهود إنما كان من العرب ، ولأن العرب أنفسهم سبقوا اليهود إلى الإيمان به . وأنه لو كان من بني إسرائيل فلن يؤمنوا به لكونه نبياً ، إنما لأنهم سيجعلونه أداة استعلائهم على البشر ، شأنهم شأن التاجر اللئيم ذي المصالح التي يريد أن تعود عليه وحده بالربح ، ولا يرى لغيره الخير والسعادة والنجاح . فإذا لم ينل مأربه ابتدأ العداوة والكيد ، وداس الحقيقة والمبادئ ، وحاربها .
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل المدينة بدأ بناء الدولة المدنية فكان لليهود ما للمسلمين من حقوق ، وعليهم ما على المسلمين من واجبات حين جاء في بنود المعاهدة :
1-   إن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين ، لليهود دينهم ، وللمسلمين دينهم ،مواليهم وأنفسهم ، كذلك لغير بني عوف من اليهود .
2-         وإن على اليهود نفقتهم ، وعلى المسلمين نفقتهم .
3-         وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة
4-         وإن بينهم النصح والنصيحة ، والبر دون الإثم .
5-         وإن اليهود يتفقون مع المسلمين ماداموا محاربين .
إلى غير ذلك من الاتفاق بين الجميع على التآلف والمناصرة ، فلم يبخس المسلمون حقوق اليهود منذ بدأت الدولة الإسلامية الأولى ، ولم ينل اليهود حقوقهم وحريتهم على مدى التاريخ ما نالوا بين المسلمين حتى كان منهم الوزراء والمستشارون .
ففي الدولة الأندلسية كانوا ذوي مال وجاه ، وعاشوا آمنين مادام الحكم للمسلمين ، فلما زالت الدولة الإسلامية في الأندلس وهاجر المسلمون بدينهم خوفاً من محاكم التفتيش الإسبانية هاجر اليهود معهم لأن الأسبان لاحقوهم بمحاكم التفتيش كما لا حقوا المسلمين ، واستقبلتهم الدولة العثمانية في وسط دارها ،في العاصمة نفسها وحولها ، بنت له مساكن وآوتهم كما تؤوي المسلمين أنفسهم ، ويهود الدونمة في تركيا في ظل الخلافة العثمانية أكبر شاهد على سماحة المسلمين واحتضانهم لليهود .
بعد غزوة بدر في السنة الثانية للهجرة يعتدي بنو قينقاع على عرض امرأة مسلمة في سوقهم التجاري في وضح النهار ، وسخروا من انتصار المسلمين على كفار مكة ، وقالوا لهم : إن قريشاً ليسوا رجال حرب . فلو قدّر لكم ونازلتمونا لعلمتم أننا الرجال ، فلم تلبث حادثتهم مع المرأة المسلمة أن جعلت معدنهم الهزيل يظهر هشاً ويُطردون خارج المدينة إلى خيبر وما بعدها . فكانت نهايتهم مأساوية فعلاً
وحاول بنو النضير – بعد ذلك - قتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين ظهرانيهم ، وهذه خسة ما بعدها خسة ، وغدر لا يقوم به إلا ذوو النفوس الصغيرة التي لا تحفظ عهداً ولا ذمة ، فكانت نهايتهم القتل لولا تدخل كبير المنافقين إذ ذاك عبد الله بن سلول ، فعفا الرسول صلى الله عليه وسلم عنهم ، وتركهم يخرجون من المدينة بأنفسهم وأهليهم .
ومن ثم نقض بنو قريظة عهدهم مع المسلمين لينضموا إلى حلف قريش وغطفان في غزوة الخندق، ولم يتورّعوا أن قالوا : إن دين قريش الوثني خير من التوحيد وعبادة إله واحد ، وزادوا في تأليب المشركين أن سجدوا لآلهتهم . وقام وجهاء اليهود كابن الأشرف وابن سنينة وغيرهما بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ونقضوا العهود والمواثيق . وتحالفوا مع المنافقين في المدينة لإضعاف القوة الإسلامية فيها ، ونخر بنائها . فكانت العاقبة أن حكم فيهم سعد بن معاذ بقتل رجالهم وسبيي نسائهم وأولادهم وأخذ أموالهم ودورهم جزاءً وفاقاً .
أما أهل خيبر الذين احتمَوا بحصونهم المنيعة ، وحتووا القادمين إليهم من بني قينقاع والنضير وأساءوا للمسلمين ونبيهم العظيم فقد ذلوا للمسلمين بعد صلح الحديبية إذ فتحت حصونهم ، ودوهمت قلاعهم ، وسمح لهم أن يعملوا في أرضهم عمالاً قد يُطردون منها في أي وقت .. وفعلاً خرجوا منها على عهد عمر رضي الله عنه وأرضاه .
أثر العمل الفدائي :
قام كثير من وجهاء اليهود بشتم النبي صلى الله عليه وسلم وألبوا ضعفاء العرب على المسلمين ، فكان نصيبهم القتل مثل كعب بن الأشرف الذي قتله شباب عاشوا للدفاع عن الإسلام ونبيه أمثال محمد بن مسلمة وأبو نائلة - ولا يزال الشباب هم وقود الدفاع عنه حتى يومنا هذا وإلى أن تقوم الساعة ، وقد كان بعض هؤلاء في الجاهلية أصدقاءه ومن مجالسيه ، فلما أسلموا انقطعوا للإسلام ونبذوا الدنيا لأجله .
وهذه عصماء بنت مروان زوجة يزيد بن يزيد الخطمي كانت تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعيب الإسلام ،فأقسم عمير بن عدي الخطمي حين رأى رسول الله متألماً - لما يسمع عن لسانها - لئن رُد من بدر إلى المدينة ليقتلنّها ، فلما رجع سالماً جاءها ليلاً فوضع سيفه في صدرها ، ثم صلى الفجر مع رسول الله صلى اللله عليه وسلم ، فلما انصرف نظر إليه رسول الله وقال : أقتلت ابنة مروان؟ قال : نعم يا رسول الله . فقال : نصرت اللهَ ورسوله يا عمير ، فقال : هل عليّ في شأنها من شيئ يا رسول الله ؟ قال : لا ينتطح فيها عنزان . فذهبت مثلاً ، وخنس أهلها ، فلم ينبسوا ببنت شفة ، وفشا الإسلام في بني خطمة بعد ذلك .ولا ننس أن نقول إن عميراً كان أعمى ، لكنَ قلبه البصير هداه إلى مكانها ، ولقبه النبي الكريم بالبصير .
وكان ابن سنينة اليهودي حليفاً لحويّصة بن مسعود ، فعدا أخوه محيّصة عليه فقتله لجرأته على النبي صلى الله عليه وسلم . فجعل حويّصة يضرب أخاه محيصة ويقول : أيْ عدوَّ الله أقتلتَه!! أما والله لرُبَّ شحم بطنك من خيره ، فكان رد محيصة : إي والله قتلته ، ولو أمرني بقتلك الذي أمرني بقتله لقتلتك . قال : أوَلوْ أمرك محمد بقتلي أتقتلني ؟ قال : والله لو أمرني بضرب عنقك لضربتها ، فيقول حويصة : إن ديناً بلغ بك هذا المبلغ لعجب . ثم أسلم حويّصة .
وجاءت يهودُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تشكو محيصة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو أنه فر كما فرّ غيره ممن هو على مثل رأيه ما اغتيل ، ولكنه نال منا الأذى وهجانا بالشعر ، ولم يفعل هذا أحد منكم إلا كان السيف .. فخافت يهود وذلت منذ ذلك اليوم ..
ولا يفهم اليهود وأعداء الله إلا هذا الرد ، أما سخفاء العقول وضعفاء النفس ومنافقو القلوب فما يزالون يتزلفون إلى الأعداء ويتقربون إليهم ، وينافقون لهم حتى غدوا أقرب إليهم من المسلمين .وما نزال كل يوم نرى غدر اليهود وعنجهيتهم يزداد لأننا تركنا دواءهم الناجع الذي يجعلهم يجثون على الركب ، وركض البعض وراء سراب يأخذهم في مجاهل الذل والضعف والانهزام .
ومن ظن اليهود يسعون إلى السلام فهو
-1- غبي تافه سفيه .
أو -2-عميل خائن حقير .
لا تصدقوا تخرصات اليهود أيها الأحباب ، فقد خبرناهم وعرفناهم ، وقد وقر في نفوسنا أن عداوتهم لنا ولديننا ولنبينا متأصلة في نفوسهم الخبيثة ، ومتجذرة فيها :
الـحـقُّ حقَّ على الإنسان نُصرتُه
ولا  سـلام مـع الأعـداء يـنفعُه
ولا  سـلامَ إذا إنـسـانـنا وَهَنَتْ
ومـن  يظنَّ يهودَ الغدر قد صلُحوا
أو أن عـقـربـهـم قد قصّ إبرتَه
لا  يـرقـبـون لـديـن الله ذمّتَه
ديـدان أرضٍ هـمُ، يـأبَون منفعةً
والـمـسـلم الحقُّ يدري أن سلمهُمُ
 
 
 
 
 
 
 
 
وبـالـجـهـاد  إلى الأوطان أوبتُه
إن طـال فـي سُبُحات الوهم رقدتُه
أمــام مـكـر عـدوّ الله قـوّتُـه
أو صالحوا فانتهت في الأرض شِرّتُه
فـقـد أتـى خَـطَـلاً تـؤذيه فَهّتُه
إفـسـادُهـم بـيـنـنا تزداد حدّتُه
لـمـن  تـطـهّـر ، مبغاهم أذيّتُه
إفـك  قـديـم ، بـسيف الله موتتُه
                  

المراجع

saaid.net

التصانيف

أدب  مجتمع