لا إسراف إذا قلنا إننا نعيش عصرًا نرى فيه من الآفات ما ذكره رسول الله  صلى الله عليه وسلم  "شحا مطاعًا، وهوى متبعًا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأيًّ برأيه" . ونرى فيه: الأمانة وقد ضيعت، والأمر وقد وُسد غيرَ أهله، فصدق علينا قول بشار بن برد:
أعمى يقود بصيرًا لا أبًا لكمو           قد ضل من كانت العميان تهديه
       كل أولئك  أو أغلبه  واضحٌ في مجال السياسة، والفكر، والإعلام، والأدب، والمعاملات، فالساحة مليئة بالادعاءات، والكذب، والاختلالات، فأصبحت هي الأصل، وعكسها تمرد ونشوز.
        ومربط الفرس نلقاه في قول الشاعر :
          إذا كان رب الدار بالدف ضاربا             فشيمة أهل الدار كلهم الرقصُ
      وأذكر أنني من عدة سنوات قرأت إعلانًا في الصحف المصرية عن كتاب وُصِف مؤلفه بأنه "رائد التنوير الديني"، واعتقدت أنني سأجد تحت الوصف اسم جمال الدين الأفغاني.. أو محمد عبده.. أو رشيد رضا..أو حسن البنا ,أو محمد بن عبد الوهاب , أو البشير الإبراهيمي . ولكني وجدت تحت هذا الوصف اسم المستشار محمد سعيد العشماوي. ومعروف أن الريادة تعني الأولية والابتكار، والإتيان بما هو جدير بالتقدير والاعتناق،والقدرة على التأثير المنتج.. وهذا يعني أيضا  إذا ما آمنا بمنطوق الإعلان  أن نسقط من حسابنا أمثال الأفغاني.. ومحمد عبده.. ورشيد رضا.. وابن باديس.. وحسن البنا.. ومحمد عبد الله دراز..ومن ذكرتهم آنفا. وقرأت كتب الرجل العشماوي كلها.. وأقول صادقًا: إنني حاولت أن أعثر على "بصيص من نور" في كل ما كتب في مجال الفكر.. والفقه.. والسياسة.. والمجتمع.. والتاريخ.. فعجزت.. ولم أجد إلا محاولات مرعوشة  على درب المستشرقين  لتجريد الإسلام من طوابعه السياسية، وعزله عن كل ما يمت للحكم والقيادة بصلة.. ويصف أصحاب دعوة "الإسلام دين ودولة" بأنهم "فجار.. أشرار.. جهال"!!
أما نظام الخلافة الإسلامية فهو  في نظره :
"لا يختلف عن أي نظام متخلف في السطو.. والسيطرة.. والغشومة.. والظلم.. والاستبداد.. والتنكر لحقوق الإنسان.. وتنكب حدود الله.. وهو نظام جاهلي غشوم مناف لروح الدين، مناف لمعنى الشريعة" . "والخلافة لم تخدم الإسلام حقيقة.. بل إنها أضرت به حين ربطت العقيدة بالسياسة، ومزجت الشريعة بنظام الحكم".
هذا وما زال السيد العشماوي يردد  اعتمادًا على أخبار ملفقة زائفة: أن القرآن الذي بين أيدينا به كثير من الأخطاء في القواعد واللغة.
       وفي الأسواق مجموعة كبيرة من الكتب المطبوعة طباعة فاخرة جدًّا للكاتب اليساري خليل عبد الكريم، وكلها تسير على نهج موضوعي واحد، يتمثل في الانتقاص الفاحش من ثوابت الإسلام ورسوله.
****
       وأستاذة مسلمة تدرس لطلابها وطالباتها في الجامعة الأمريكية بالقاهرة رواية لمغربي ساقط بعنوان "الخبز الحافي" كلها وصف داعر بألفاظ صريحة مكشوفة للأعمال الجنسية الشاذة القذرة في بيوت الدعارة، ودافعت الأستاذة عن نفسها بأن "هذه هي الموجة الجديدة في الأدب، وهي موجة يجب أن يستوعبها الطلاب"!!
***
       وذكرني ذلك بقصيدة نشرت في مجلة رسمية بعنوان "الوشم الباقي" تنهج نفس النهج الساقط، وتزيد عليه كتابة الأصوات الجنسية السريرية، وهي أصوات محترفات الدعارة (المكونة من الهمزة والحاء  أو الهمزة والحاء المشددة والواو).
و "سيد" من قمم "التنوير" يكتب فصولاً وفصولاً عن "جناية الغزو الإسلامي" لمصر، ويصف جيش عمرو بن العاص  رضي الله عنه  بأنه حملة غزو واحتلال.
***
       ويلتقط الخيط "شاعر" تنويري جدًّا، فيصور الفتح الإسلامي لمصر بأنه "غزو همجي"، ويشبه الفاتحين بالهمج والجراد والغربان، فيقول من كلام طويل:
همجٌ..
رمت بهم الصحارَي جنةَ المأوي..
تهِر كلابهم فيها..
وتجْأر في المدَى قطعانُهمْ..
يمشون في سُحبِ الجرادِ..
كأن وجوههم لغربانِ..
وأعينهم لذؤبان..
وأرجلهم لثيران..
يدوسون البلادْ..
ويزرعون خرابهم في كل واد..
أبناء أوزوريس صاروا لليبابْ..
يا أيها الرملُ ارتحلْ..
يا أيها الرمل ارتحل..
واذهب لشأنك يا جرادْ.
***
وفي صحيفة الأهرام الصادرة بتاريخ 16/6/1999م، يتساءل أحمد عبد المعطي حجازي في غضب: "... هل نريد حقًّا أن نحرر عقولنا من الخرافة، ونعالج نفوسنا من الخوف، ونعامل أجسادنا بما هي جديرة به من اعتزاز واحترام ؟ ".
وتحرير عقولنا، واحترام أجسادنا في نظر حجازي لا يتحقق إلا برسم الأجساد عارية، والسماح بإدخال الموديلات العارية إلى كليات الفنون ليرسمها الطلاب.. بل يتمادى أحمد حجازي فيدعو الفنان صلاح طاهر وآخرين أن يرسموا له صورة من هذا النوع العاري "حتى يراه الناس في الواقع، وربما رأوه على نحو أفضل" كما يقول بالحرف الواحد.
***
وذكرت الكاتبة الإعلامية الإسلامية كريمان حمزة في كتابها "لله يا زمري" (124  127).  أنها أعدت شرايط عن العشرة المبشرين بالجنة، وتقدمت بها للتليفزيون المصري، لعرضها فرفض  المسئول الكبير "جدًّا" أن يقبلها إلا إذا أضافت إلى العشرة شخصيات معاصرة كعاطف صدقي، وصفوت الشريف، وقال لها بالحرف الواحد: "العشرة من أيام الرسول لماذا؟ مفيش واحد من اليومين دول مبشر بالجنة؟ واحد من السلطة مثلاً يعني عاطف صدقي، أو صفوت الشريف، طب ليه مش مبشرين بالجنة ؟ فلا بد أن تضيفي إلى العشرة القدماء هذين الشخصيتين... وإلا ...- والله - لن تذاع الحلقات إلا على جثتي.
 ده حتى الصحفي فلان قال للوزير: إن العشرة دول المبشرين بالجنة كلهم إرهابيون.
**********
وترزأ بلادنا بمتفيهق دعي ااسمه جمال البنا....تفتح له القنوات المحلية والفضائية أبوابها لعرض شذاوذاته , ومنها التسوية   بين الأديان جميعًا، بحجج أوهى من خيط العنكبوت،   والانتقال بينها  بمعنى أن يترك المسلم الإسلام إلى المسيحية، أو اليهودية، أو العكس  من حق الإنسان، وليس هناك ما يسمى بالردة أو حد الردة.
وأسألك سؤالاً واحدًا  يا سيد جمال  فما رأيه إذن في قوله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) (آل عمران: 19).
وقوله تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران: 85).
****
       ومن كوارثه الفكرية  ما صرح به في قناة الساعة الفضائية بجواز تقبيل الشباب للفتيات، معتبرًا أن القبلات بين غير المتزوجين من الشباب والفتيات من الضعف البشري، وتدخل ضمن اللمم في الإسلام، أي الذنوب الصغيرة التي تمحوها الحسنات، ,علينا أن نعترف بالواقع الذي لا يمكن تجاهله في هذا العصر، وهو عدم قدرة الكثيرين من الشباب والفتيات على الزواج في ظل المعروض من المؤثرات الخارجية التي تؤثر على الغريزة الجنسية التي غرسها الله في الإنسان ...
إن تأخر سن الزواج، وارتفاع تكاليفه وانتشار البطالة، هو الذي يؤدي إلى هذه الذنوب الصغيرة كالقبلات.
ومعروف أن السيد جمال لا ولد له ولا بنت، وإلا لسألته: هل ترضى بأن تكون بنتك المراهقة "مبوسة للشباب". ولكن لنترك هذا وأطرح عليه الأسئلة الآتية:
 كيف حكمت على هذا الفعل أنه من قبيل اللمم، دون سند شرعي، حتى لو كان ضعيفًا؟
 وهل المطلوب من المسلم أن يطوع الدين للمجتمع الذي يعيش فيه، والظروف النفسية التي يعيشها، أم يطوع كل أولئك للدين؟
  ومارأيك في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء".
 ومن يضمن أن الشاب سيقف عند حد التقبيل؟ إنه لا يطقئ شهوته , بل يزيدها اشتعالا , وغالبا ما يقوده إلى الزنى .
*******
ونحن جميعًا نعرف أن هناك حملة ضارية متواصلة على الشخصيات الإسلامية، والنماذج العليا الذين حملوا ويحملون لواء الدعوة بالعلم والجهاد في كل العصور.
وتعرض الإسلاميون الملتزمون لاضطهاد ومحن بالقتل والسجن والتشريد بزعم أنهم إرهابيون.
وللأسف يشترك في حملات الهدم زعماء عرب كالقذافي الذي درج هو وحواريوه على السخرية من الأئمة كأحمد بن حنبل، وابن تيمية، وسيد قطب، فالقذافي يُلح على الإزراء بسيد قطب، في كل خطبه وملتقياته، وهو يتولى كِبْر ذلك، في الوقت الذي تشتد فيه الحملات الضارية في بعض البلاد العربية على هذا المجاهد العالم الشهيد. وبين يدي خمسة كتب صدرت متتالية في طبعات فاخرة جدًّا، وتباع بسعر رمزي، وأنقل للقارئ سطورًا قليلة من إحدها: يأخذ الكاتب  من وجهة نظره  على سيد قطب "تكفيره للأمة، وطعنه على أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  وتعطيله لصفات الله  عز وجل  وقوله بخلق القرآن، وأن الله لا يتكلم، وإنما قوله مجرد إرادة، وقوله بالحلول، ووحدة الوجود والجبر، وقوله أن الروح أزلية، وقوله بالاشتراكية الغالية، وبموادة أعداء الله، وقوله عن مساجد المسلمين إنها معابد جاهلية، وتهوينه من معجزات الرسول  صلى الله عليه وسلم  ورده لأخبار الأحاد، بل للمتواترات من أحاديث رسول الله  صلى الله عليه وسلم  وغير هذا من الضلالات
ونرى لويس عوض يحكم على جمال الدين الأفغاني بأنه كان ماسونيا ضالعا في الماسونية , وانه كان عميلا مزدوجا.
وأحد هؤلاء " الأدعياء " – ولا أقول الدعاة – يزعم – في برنامج تلفازي – بأن الشيخ حسن البنا – المرشد العام للإخوان المسلمين – كان رجلا " بلا فكر" . وغير ذلك كثير..وكثير .
 إنه عصر اختلال المعايير. وفيه قلت :
فتهاوتْ  خُطى الشريف المعنَّى
كيف نمضي والزيفُ دين وطبعٌ
والأصـيلُ الأصيلُ يحيا غريبًا
والـعـدوَ  الـغريبُ فينا سعيدٌ
فاختلالُ  المعيارِ أضْحى صوابًا
 
 
 
 
 
نـازفَ  القلب ما لَه من نصيرِ
والنفاقُ  الخسيس جسْرُ العبورِ؟
بـحـقوق  الإنسان غيرُ جديرِ
ومـحـاطٌ بـالـحبِّ..والتقديرِ
والـصوابُ التَمامُ شر الشرورِ.
***
كل هذه الافتراءات والأكاذيب والحملات الضارية، تفرض واجبًا ملزمًا للمفكرين الإسلاميين الأنقياء الأتقياء، بأن يتقدموا لهدم هذه الآراء الشاذة الخسيسة التي تطعن الإسلام في مقاتله، وذلك بتقديم القيم الإسلامية العليا بأسلوب عصري يسهل على الشباب فهمه، واستيعابه، وكذلك عليهم أن يقدموا الشخصيات الإسلامية ذات الآثار القوية في نشر الإسلام وإنصافه، وتربية الشباب على سلوكه وأخلاقياته، وهذا هو الهدف الأصيل من التاريخ السوي  .

المراجع

gaberkomeha.com

التصانيف

أدب  مجتمع