يحكى أن أبا حمزة الشاري عندما دخل مكة، وعيَّره الناس بأن أغلب أصحابه من الشاب خطب الناس، ومما قاله في تلك الخطبة:
"يا أهل مكة، تعيرونني بأصحابي تزعمون أنهم شباب، وهل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلا شبابا ؟ نِعْمَ الشباب مكتهلين ، غضيضة عن الشر أعينهم ، بطيئة إلى الباطل أرجلهم ، قد نظر الله إليهم في آناء الليل منحنية أصلابهم على أجزاء القرآن ، كلما مر أحدهم بآية فيها ذكر الجنة - بكى شوقا إليها ، وإذا مر بآية فيها ذكر النار شهق شهقة كأن زفير جهنم بين أذنيه"، وذكر كلاما طويلا ، وما يعنينا مما خطبه أبو حمزة الشاري هذه الكلمات ،التي تبين دور الشباب في أي دعوة من الدعوات ودور الشباب الذين حملوا عبء الإسلام الأول ، فمن يراجع كتب السيرة يتبين له أن أصحاب الرسول الكريم كانوا شبابا أو حتى صبيانا ولم يتجاوزا في أعمارهم العشرين إلا القلة منهم ، فعلي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله والأرقم بن أبي الأرقم وعبد الله بن مسعود وسعيد بن زيد وسعد بن أبي وقاص ، وقد تراوحت أعمار هؤلاء النفر بين الثماني سنوات والسبع عشرة سنة وغيرهم الكثير ، فما فعل شبابنا اليوم ؟ وهل يعتبر همَّ الدعوة هو همهم أم أن همَّهم هو توافه الأمور ، ألم يقرؤوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم (نصرت بالشباب) ها هو حبيبكم محمد يساء له ممن هم مثال للدناءة والخسة ، فما قدمتم ، هل انتفضتم لله ورسوله وغضبتم له الغضبة التي يرضى الله ورسوله عنها ؟ هل تسابقتم إلى ميادين الدعوة لتنصروا محمدا صلى الله عليه وسلم؟
لقد أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه جاءه صبيان يستأذنانه في الخروج في سبيل الله ، فأذن لأحدهما ولم يأذن للآخر ، فقال الصبي الذي لم يؤذن له : يا رسول الله إني أصرعه ، ليدلل على أنه أولى بالجهاد من صاحبه ، فتصارعا أمام الرسول صلى الله عليه وسلم فصرعه فأذن لهما معا ، هكذا كانوا صغار أعمار كبار همم، لا يتعذرون بأعذار ، بل يثبتون أنهم رجال قادرون.
إن صغر السن لم يمنع بعض من كانوا مع الرسول ليكونوا في الصف الأول، فهذا أسامة بن زيد الحِبُّ ابن الحب يتسلم زمام جيش الدولة قائدا وهو لم يتجاوز سبع عشرة سنة هجرية ، وكان كبار الصحابة من أبي بكر وعمر وعثمان جنودا تحت قيادته، فمثل هؤلاء هم من نريد ، شبابا تنضح الرجولة من بين مواقفهم ينصرون الله ورسوله ، لم يتعللوا بأنهم مراهقون ، يريدون أن يعيشوا حياتهم كما يحلو لهم يلهون ويلعبون ، بل قاموا بالعبء ، وحملوا الأمانة على أكمل وجه وأتمه ، فمتى كانت حياة الشاب المسلم لهوا ولعبا ، وقد أصبح في نظر الشرع مكلفا رجلا بالغا؟؟، فماذا ستقول لربك عندما تقف بين يديه يحاسبك؟؟ أتقول له: إنني كنت مراهقا خفيف العقل طائشا، لا أدري من أمري شيئا.
وإذا ما فر الشاب من مرحلة الشباب والطيش ، وتزوج وأمسى ذا عيال لا يعمل للدعوة ، بحجة أنه يريد أن يسعى على معيشة أهله ، ودخل في دوامة الحياة ونسي أوامر الله ونواهيه ،وتكالبت عليه الدنيا بهمومها وأقضت مضجعه،  تراه على العكس مما هو مطلوب منه يحرص على رضى من يعمل عنده على حساب دينه ، وكأنه لم يسمع بحديث رسول الله الذي يرويه ابن عباس : (من أسخط الله في رضى الناس سخط الله عليه وأسخط عليه من أرضاه في سخطه ومن أرضى الله في سخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه من أسخط في رضاه حتى يزينه ويزين قوله وعمله في عينه)
إن الشباب طاقة فعالة يجب أن توظف في خدمة الدين ، وتذكر أخي أنك شاب صحيح الجسم ، تتمتع بالقوة والفتوة فانظر أين تنفق هذه القوة ، وكيف ستمضي هذا الشطر من حياتك ، وتذكر كذلك أن كثيرين من الشباب فقدوا ما تمتعت به،  فاشكر الله على هذه النعمة ، بتوظيفها في خدمة الإسلام باذلا الوسع في التغيير ،في دعوة قوام عملها تحقيق الشرع ونهضة الأمة ، وشكر هذه النعمة لا يكون بقولك: الحمد لله ، فقط ، بل شكر النعمة هو أداء حق الله فيها ، حتى تكون هذه النعمة لك وليست عليك، ويزيدك الله من فضله، قال تعالى: { ولئن شكرتم لأزيدنكم}.

المراجع

odabasham.net

التصانيف

أدب  مجتمع