يبدو هذا الجيل العربي الشبابي وكأنه يعاني من غياب المرجعيات الانموذجية التي يفترض أن تكون قادرة على تبيان الطريق القويم لهذا الجيل. ومن يتطلع بنظرة دائرية على المرجعيات التي يستند عليها الشباب في تمثلهم للانموذج الذي يمكن الاقتداء به سيجد ان هناك ضبابية كاملة للمشهد المرجعي ، وأن العتمة المعرفية تكتنف كل الآفاق التي من الممكن أن تغذي الشباب وتدلهم على التعامل مع مشاكلهم التي تتخلق امامهم كل يوم.

ان الخطاب السياسي الفكري العربي الذي كان سائداً في ستينيات القرن الفائت ، والذي تمكن في تلك المرحلة ، يكون ممغنطاً وجاذباً للطاقات الشبابية وتثوير امكانياتها أخذ بالتراجع الى فكرة المحلية الديموغرافية والقطرنة الضيقة. وهو بهذا الانسحاب الذي توالت احداثياته مع خسائر قومية فادحة ترك فراغه المرعب في فقدان المرجعية القومية.

وبالمقابل فان الخطاب الديني الذي ظل يعد باعادة انتاج التاريخ من جديد وصياغته على الطريقة الاسلامية التي تأسست عليه الحضارة العربية والاسلامية تحول الى خطابات متعددة ومشتتة ومتشظية تحمل عنواين ومسمياتْ متعددة تبدأ من الاسلام الرسمي وتنتهي بالاسلام القاعدي المتطرف الذي بات يهدد العالم بدعوته لمقاتلة كل قوى الطغيان الصليبي في العالم واقامة دولة الخلافة. وهذا التوجه الذي استطاع ومنذ مطلع الثمانينيات ان يسود وان يكون هو الآخر مرجعية للجيل الشبابي في تلك المرحلة تقوّض هو الآخر وتحول الى فراغ مربك لا يحتمل القدرة على التجييش الشبابي.

ومن هنا يمكن الجزم بان الجيل الشبابي العربي الحالي يفتقر حقيقة الى المرجعية الانموذجية القادرة على مغنطته واقتياده ببوصلتها الجاذبة. ويفتقر ايضاً الى الخطاب المعرفي القادر على اضاءة دربه. ولهذا يمكن الجزم ايضاً بأن الفضائيات التي باتت تنتشر كالفطر في فضاءاتنا والتي تبث سمومها الاعلامية ليل نهار هي المرجعية الوحيدة التي تأكل رأس جيل شبابي كامل.

ومن يلاحظ هذا الولع الشبابي بمسلسلات الدراما التي تبثها هذه الفضائيات سيدرك أن جيلاً كاملاً قد منح رأسه لتجليات هذه الدرما وخبلها الذي صار هذه الايام تركياً بعد أن كان مكسيكياً.

ان المشاكل التي تطفح كظواهرعجيبة في مجتمعاتنا العربية هذه الايام بشكلها الغريب انما تعبر عن تلك المسافة الموحشة بين الواقع المرير الذي يعيشه جيل الشباب وبين ذلك الحلم الملون الذي ترسمه هذه الفضائيات وتلك الدراما الخبيثة.

ولعل القادم سوف يكون أسوأ من هذا بكثير. والسبب هو فقدان المرجعية ويتمها التاريخي.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خليل قنديل   جريدة الدستور