اِجْعَلْ يَا قَلْبِ رِثَا
ءَكَ لِلطَّيْرِ جَـزَاءَا
ثُمَّ ابْعَثْهُ لِلشَّــ
جَرِ الْمَكْسُورِ عَزَاءَا
(2)
وَيْلِي.. يَـا هَذَا الطَّائِرُ بَيْنَ جَدَائِلِ أَرْوَى وَيْلِي .. إِنْ بَايَعَنِي الشِّعْرُ بِهَـذِي الْكَرْمَةِ ، أَوْ بَايَعَكَ النِّيلُ الدَّافِقُ بَيْنَ تُخُومِ أَبِي الْهَوْلِ الْقَابِعِ بَيْنَ شُجَيْرَاتِ الأَطْلَسِ .. وَيْلِي مَا تَصْنَــعُ مَمْلَكَتِي إِنْ جَاءَتْ أَرْجَاءَ الْقَصْرِ وُفُودُ الطَّيْـرِ وَلَمْ تَكُ أَنْتَ عَلَيْهَا تَاجًا يَنْشُرُ بَعْضَ جَوَاهِرِهِ الْخَضْرَاءِ عَلَى بَلَدٍ أَعْطَيْتَ خَمَائِلَهُ قَلْبَــكَ أَعْطَاكَ جِرَاحًا حَجَبَتْنَا عَنْ دِفْءِ الأَهْلِ وَمَـا حَجَبَتْنَـا عَنْ هَذَا النُّورِ الْوَهَّاجِ السَّاكِنِ بَيْنَ ضُلُــوعِ الشَّجَرِ الْبَاسِقِ.. مَا زِلْتُ أَنَا مِنْ خَلَلِ الْحُزْنِ الْمُلْتَفِّ عَلَى وَجْهِي الْمَكْسُورِ أَرَاكَ ، فَكُـنْ أَنْتَ الطَّلْحَ عَوَادِينَا أَشْبَـاهٌ .. وَاحْفَظْ ذِكْـرِي بِدُمُوعٍ مِنْ ضِلْعَيْكَ تَهُـزُّ سِهَامَ الأَقْوَاسِ إِلَيَّ فَتَسْقُطَ ذَرَّاتُ تُرَابِِي قُدَّامَ الْبَحْرِ ، يَقُومُ الْبَحْرُ يُغَادِرُ هَذَا الْمَوْجَ لِيَكْتُبَ بِالدَّمِ قِصَّةَ حُــزْنٍ اِنْسَلَّ إِلَيْنَا فِي شَـرْخِ الْعُمْرِ ، وَفِي هَذَا الْعُمْـِر الذَّابِلِ بَلَّلَ كُـلَّ رَيَاحِينِي وَرَيَاحِينِكَ.. وَيْلِي .. وَيْلِي ..
(3)
صَاحَبْتُ الشِّعْرَ فَشَيَّبَـنِي
هَلْ شَيَّبَ كُلَّ الشُّعَـرَاءِ ؟
لَسْتُ أَمِيراً لَكِنِّـــي أُو
ثِرُ أَنْ تَكْتُبَ أَنْتَ رِثَائِـي
أُكْتُبْ يَا مَنْ يُنْصِفُ بِالشِّعْ
ـرِ الأَحْيَاءَ مِنَ الأَحْيَـاءِ
(4)
غَنَّى لِلْغُرَبَاءِ نَشِيداً
وَرَحَلْ ..
غَنَّى لِصَعَالِيكِ رِبَاطِ الْفَتْحِ صَبَاحًا
وَرَحَلْ ..
آخِرُ فُرْسَانِ سِجِلْمَاسَّةَ
فِي شَرْخِ الْعُمْرِ رَحَلْ ..
مَا ضَرَّ لَوَ انَّ رَحِيلَ الطَّيْرِ تَأَخَّرَ حَتَّـى تَكْتُبَ مَرْثَاةً تَنْشُرُ جَمْرَتَهَا فِي بَعْضِ شَوَارِعِ وَجْدَةَ ، أَوْ بَيْنَ أَزِقَّةِ أَسْرِيرَ الْمُظْلِمَةِ الْعَطْشَـى يَوْمَئِذٍ تُزْهِرُ سَوْسَنَةٌ فِي جَوْفِي وَتَظَلُّ تُفَاخِـرُ كُلَّ الزَّهْرِ لأَنَّ جَمِيلَ الشِّعْرِ بَكَاهَا .. ثُمَّــتَ أَحْيَاهَا .
ـ 0 ـ
عَجَبًا .. شِعْرِي يَسَعُ الْعَالَمَ .. كَيْفَ أَيَا قَلْبِي لَمْ يَتَسَلَّقْ أَجْنِحَةَ الطَّيْرِ الرَّاحِلِ ؟ كَيْـفَ وَهَذَا الْمِصْبَاحُ الرَّاقِدُ فِي الطَّرَفِ الأيْمَنِ مِـنْ جَسَدِي جَمْرَتُهُ الْبَيْضَاءُ يُؤَجِّجُهَا حُبٌّ يَرْبِطُنِي بِصِحَابِي؟ لَيْتَهُمُو قَبْلَ رَحِيلِي مَا رَحَلُــوا.. لَيْتَهُمُو- وَأَنَا بِالثَّوْبِ الأَبْيَضِ مَلْفُوفٌ - بِدُمُوعِهِمُو غَسَلُونِي .. لَيْتَهُمُو فِي شِعْرِهِمُو دَفَنُـونِي... لَيْتَهُمُو.. لَيْتَهُمُو..
(5)
غَرَسَ النَّاسُ قَدِيماً .. غَرَسُـوا
قَبْلَ يَجِيءُ الأَرْضَ شِتَــاءُ .
غَرَسُوا.وَبَنَوْا. هَلْ غَـرْسٌ دَا
مَ ؟ وَهَلْ دَامَ الْيَوْمَ بِنَـــاءُ
(6)
يَا صَاحِبِيَ الْمَسْكُونَ بِهَزَّاتِ الآهِ . مَا أَنَا لِلشِّعْرِ أَمِيرٌ .. مَا أَنْتَ لِهَذَا النِّيلِ أَمِيرٌ .. وَالنِّيلُ الأَزْرَقُ بَلَّلَ شِعْرَكَ ، خَبَّأَ فِي قَلْبَيْكَ سِلاَلاً مِنْ أَشْجَانِ الْبُؤَسَـاءِ ، وَهَـذَا الْقَلْبُ الرَّابِـضُ فِي الطَّرَفِ الأَيْمَنِ مِنْ جَسَدِي الْهَشِّ يُحَدِّتُنِي اللَّحْظَةَ عَنْ هَذِي النَّاقَةِ وَهْيَ بِلَوْنِ الآهِ، تَحْمِلُ فِي قَرْنَيْهَا الْخَضْرَاءَ تَدُكُّ الْغَبْرَاءَ بِأَجْنِحَةٍ بَيْضَاءَ وَعَيْنَاهَا الْمُغْمَضَتَانِ عَلَى الْجَسَدَيْنِ الْهَشَّـيْنِ سَتَحْمِلُ فِي هَوْدَجِهَا هَذَيْنِ الْجَـــسَدَيْنِ الْهَشَّيْـنِ تَشُقُّ بِـنَا يَبَسَ الْبَحْرِ ، فَمَنْ حِينَ يُبَلِّلُنَا الصَّمْتُ سَيَبْكِينَا ؟ مَنْ يَبْكِينَا ؟ مَنْ ؟.. مَنْ؟..
بقلم محمد علي الرباوي
المراجع
diwanalarab.com
التصانيف
شعر الآداب