لم تحظَ المفاوضات الاسرائيلية السورية باهتمام كبير ربما لشعور بعض الاوساط السياسية انها تأتي في وقت ضائع او على ابواب تغييرات محتملة في الخارطة السياسية الاسرائيلية، لكن دخول تركيا على خط المفاوضات يشكل عامل تحفيز للسوريين مع ان سورية لم يكن لديها مشكلة في المفاوضات المباشرة فقد مارستها خلال مؤتمر مدريد وما بعده وفي مواسم اخرى، لكن سورية التي مارست تشدداً اعلامياً خلال الفترات الماضية وحاولت كسب الشارع العربي باعتبارها من قوى الممانعة، لهذا السبب لم يكن ممكناً ان تقفز من ذلك التشدد الاعلامي الى مفاوضات مباشرة وعلنية لهذا جاءت المفاوضات سرية، وغير مباشرة.
لكن المفاوضات السورية الاسرائيلية جزء من سياق عام، لكن هذه المفاوضات ربما لو كانت بين الحكومة اللبنانية واسرائيل لكانت ردة الفعل كبيرة، لكن هناك تمريرا لهذه المفاوضات حتى من القوى الشعبية التي لها موقف من مبدأ التفاوض وهي ذاتها التي لها علاقات قوية مع سورية، وهذا امر يتم مع بعض الامور ولا يتم مع بعضها، ويبدو ان هناك سرية حتى في ردود الافعال وليس فقط في مسار المفاوضات.
ولعل هذه المفاوضات مناسبة ليتذكر البعض ان سورية ليست ضد عملية السلام بل مارست تفاوضاً مباشراً وثنائياً مع الاسرائيليين، وان وقف المفاوضات هو نوع من التكتيك السياسي وليس انقلاباً على فكرة التفاوض، ومن الضروري ان نشير الى القضايا التالية:
ان المفاوضات الحالية بين سورية وإسرائيل لا تجري وفق المبادرة العربية ولا حتى قرارات الشرعية الدولية بل وفق موازين القوى الثنائية، فسورية تطالب بكامل ارضها وإسرائيل لديها مطالب وشروط وربما مفهوم خاص للسيادة السورية على الجولان، انها مفاوضات ثنائية وفق معادلات ثنائية.
وهذه المفاوضات ايضاً تتم من دون رعاية دولية او مظلة الامم المتحدة ولا حتى الرباعية الدولية اي لا تختلف عن السياق التفاوضي الذي جاء باتفاق اوسلو وكامب ديفيد الاول بين مصر واسرائيل او بين الاردن واسرائيل.
ولعل ما يُميز هذه المفاوضات انها تأتي في مرحلة يزداد فيها الاحباط من نتائج المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية، وهي مرحلة تزداد فيها القناعة بأن هذه المفاوضات عبثية وان الكيان المحتل يماطل بينما يمارس على الارض عدواناً وقتلاً وحصاراً، والرسالة التي يستفيد منها الكيان الصهيوني ان سورية الدولة من معسكر ايران وحماس وحزب الله تأتي للتفاوض وكأنها تقول ان هناك جدوى وأملا من التفاوض.
والرسالة الاخرى ان هذه المفاوضات تأتي في وقت يزداد فيه العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني ويزداد الحصار على غزة وتجويعها، وهي مرحلة تخرج فيها مطالبات للرئاسة الفلسطينية بوقف مفاوضاتها مع اسرائيل، اي توقيت تحتاج فيه حكومة اولمرت الى مثل هذه الاوراق، وهي خطوة اكبر بكثير واهم من زيارة لمسؤول اسرائيلي الى عاصمة عربية، مع تأكيدنا على رفض هذه الزيارات ايضاً.
ان حديث اسرائيل عن اشتراط قطع علاقات سورية مع حماس حديث لا معنى له، لأن حماس لم تعد تنظيماً مطارداً في فلسطين بل هي تحكم غزة ولديها جيش وحكومة وارض وسواء بقي المكتب السياسي في دمشق ام غادرها فهذا امر هامشي امام وجود دولة حماس الى جانب كيان الاحتلال.
اما نتائج المفاوضات فإن ما هو واضح ان طرفيها ليسا في عجلة من امرهما فإسرائيل ليست محتاجة بشكل طارئ للسلام مع سورية لان الجبهة العسكرية هادئة جداً منذ عام 1967 وليس هناك تنظيم عسكري تدعمه سورية في الجولان يقاوم الاحتلال، اما سورية فهي ايضاً ليست تحت ضغط استعادة الجولان، فليس هناك قوى سياسية سورية او شعبية تطالب بالتحرير، وهذا امر موجود منذ عام 1967 وسورية ليست معنية بحرب بل انها كانت صاحبة موقف هادئ فوق العادة حتى عندما حلقت طائرات العدو فوق القصر الرئاسي، وأيضاً عندما دمرت اسرائيل مبنى في الاراضي السورية تقول انه مفاعل نووي، فالعبرة في هدر السيادة اي ان الحرب والتحرير ليسا جزءاً من اجندتها، ولهذا فكلا الطرفين ليسا معنيين بنتائج سريعة، بل قد يكون التفاوض لتحقيق غايات اخرى لكنه على الارض تفاوض وتواصل مع العدو في توقيت الحصار والعدوان وتزايد الاحباط مما يجري على المسار الفلسطيني. بل هناك آراء في الاردن مثلاً تطالب الحكومة بخيارات وبدائل لتعثر المفاوضات، وهذا حق سياسي لاصحابها، وفي ذات اللحظة تأتي المفاوضات السورية لتقول ان الامل في اسرائيل ممكن وان المفاوضات طريق لاستعادة الحقوق.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة