قبل أن يتصدى نقيب الأطباء ، الدكتور زهير أبو فارس ، لحق حماية الطبيب من المشاعر الغائمة في صدور الناس ، وهو النقيب القدير والمحترم ، وكذلك المنتخب من أطياف زملائه الأطباء الأردنيين ، وقبل أن يبادر بسماع دقات قلب الجسم الطبي الذاتية لإرضاء زملائه ، وأصواتهم التي وصلت طوال عطائه الإنساني والعلمي إلى ثقة الجسم الطبي به ، وانتخابه نقيبا للأطباء في الأردن !! وقبل أن يستمع لهواجس ومن ثم صرخات وبعدها احتجاجات الأطباء والنقابة على توقيف أي طبيب في زاوية مظلمة ، للتحقيق والمساءلة ، قبل كل هذا ، أتمنى على الأخ العزيز والإنسان البارع في أخلاقه وشخصه البارز ، أن يتمكن من حشد كل خبراته ومعرفته مع زملائه كبار الساحة الطبية ، وأقصد هؤلاء الذين يجتمعون ويسارعون في عقد الندوات والمهرجانات ويتحدثون عن حقوق الطبيب كحقوق مقدسة ويمرون على حقوق المريض كأنها واجب فقط !! مع أنها هي الحلقة الأكثر شفافية وهشاشة والأكثر ضعفاً ، فبجدر التحدث عن فريقين وليس خصمين كما صنعها ضعف الضمير في قانون التعامل الطبي بين الطرفين مع الأسف !1
لقد توضح أن الدفاع المستميت عن الطبيب اتخذ جانباً متحيزاً ، لصالح الطبيب فقط ، واقترب من المريض بالمس والهمس دون صوت ! ومع أن الطبيب أولاً وأخرا هو جزء من التبادل في الأدوار ، وهو لا بد يمرض ويعرض ويعاني ويستشري به العذاب كأي مريض بين يديه ( حتى ليصيبه مرض مريضه ويروح ضحية تضحياته وعطائه ومهنته الخالصة للضمير والواجب ) فالكل سواء .... دون أن يعي الطبيب أنه الصدر الحنون والظهر السند والقلب الأرحب لأي مريض ، ويستطيع أن يشفيه بعون الله ومن ثم بمعاملته ( حسب قانون الأخلاق والضمير ) الخفي المستور، مع أنه ليس من العار أن يبقى الضمير مستورا في قلب الطبيب ، فهو المناط به اعمل كأن يمينك لا تدري عن يسارك ! ومن هنا يأتي الحق في ( إنعاش قانون الضمير ) في الدستور الطبي الأردني الذي هو أفضل الدساتير الطبية في العالم !
فالنقيب الدكتور زهير أبو فارس ، مثله مثل أي نقيب في المهن والتخصصات ، راح يدافع عن الأعضاء في نقابته ، وذلك حق وواجب وأيضاً ضمير النقيب المنتخب ، وأبارك له بهذه القدرة المانعة الجامعة على استقطاب زملائه ونيل الإعجاب ، وتمنيت لو يتوجه لضبط وربط ( قانون الضمير الطبي ) ومعاودة تفسير المضمون لمعنى الضمير عند كل طبيب في الجهاز الطبي في بلدنا وقد بلغ السيل العرمرم فيضانه من الخلاف بين المريض والطبيب ! وقد بلغ الخط الأحمر بين المريض والمستشفيات أشده ، سواءً أكانت قطاعاً عاماً أم قطاعاً خاصاً ، مع الأسف !! وهذا هو بيت الرمل المتهاوي الذي بات واهياً كبيت العنكبوت ، والمفترض أن يكون منيعاً قائماً على قواعد لا تنثني ولا تتكسر أمام أي عاصفة من العواصف الطارئة في مطامع المادة أو المال أو التجارة الطبية أو الاستثمار أو .......، وحتى لو تحول الطب كما هو لآن لحالة من التجارة المفضوحة في بعض مستشفيات القطاع الخاص !!
وأتمنى أن يبرز النقيب وزملاؤه بالتعاون مع المجلس الطبي وهيئة متخصصة بالضمير في الوزارة التي أصبحت وزارة موظفين ، وتابعين للجهاز الوظيفي والمراتب والترقيات والتوزيعات والتنقلات والموازنة ، أكثر مما هي وزارة حيوية وتقنية تتعلق بالأرواح والحياة ، وتتعلق بالجراح والألم عند المريض وأهل المريض !! مما بات يشغل الأجواء في المجتمع الأردني ، ويحرك التساؤل المرير ( كيف يخلص الطبيب نفسه من إثم الاعتداء عليه ؟؟ ) وقد عرف عن المجتمع الأردني شفافية الأسرة الواحدة المتسامحة والتي ترضى الضيم والعذاب وتأخذ بخاطر الوطن ؟؟ وتمنيت أنه قبل كل اجتماع وندوة تعقد في مباني النقابة أو الهيئة العلمية ، وقبل انعقاد أي طابور طبي للمناداة والاحتجاج والصراخ لمنع توقيف أي طبيب قبل إدانته ، أن يتم التلميح والتصريح) وعلى النقابة أن تعد للمليون قبل أن تراوح أمكنة الغضب لأجل الطبيب فقط وحقوقه بالدعم الكامل !
النقيب معه الحق كما قلت في احترام للأصوات ، وفي ثقة الذين منحوه الصوت ليصبح نقيباً وهذا حق وواجب مقدس على كل من يحمله وكل صاحب جدارة بالتمثيل الشعبي والعلمي !!فكيف إذا كان بالتمثيل الطبي ؟؟ وهو الروح والدم في حيوية وطن وإنسان ؟
لكن يذهلني ويفاجئني هذا التزمت والتحيز والتشدد لصالح الطبيب فقط !
فالطبيب إن لم يكن ممتلكاً للرحمة في الجرح وخفقة الروح نحو الحياة أو الرحيل عند المريض ومشاعر أهله ، فهو اليد الحانية المانحة للشعور بعودة الروح والنشاط للجسد الرازح تحت الوجع ، أو هو العزرائيل الواقف بعبوس وأوامر تخلو من الرقة والعذوبة في حضرة الألم !! ويستطيع الطبيب أن يكون عزرائيل حتى بتطليعته ولمسته وحتى في حديثه وفي كشرته ، وكل ذلك يعنون أو يتوج بسلوكه الطيب ، وربما يكون المرجع للروح بكلمتين ، وهو يعرف لكنه يوفر الشعور بأن المناقب تداوي الآلام أعظم من الواجب وأعظم من الجهاز الغائب !!
فالطبيب حين يرتكب الخطأ ويهمل ويستهتر بمريضه أو مراجعه ، أو ينسى منشفة في بطنه ، أو يستأصل الكلية السليمة اليمنى بدل المصابة اليسرى ، أو يسحب الجنين مع الخلاصة مع الرحم وهو يعلم أن الجنين مشنوق بالحبل السري في رحم الأم كل ذلك لانه يعمل في مستشفى حكومي ولا تعنيه اجور العملية الباهظة والطبيب الذي يصفع مريضته على قفاها وهي تتألم عند الولادة ويصرخ بها أنها حين نامت مع زوجها لم تتألم ، والطبيب الذي يجري عملية زراعة كبد لحالة من كبد ولده ويموت المزروع ويسرق كبد الزارع ليباع لمريض آخر ، ويدفن المزروع الوهمي دون كبد ، ويطالب أهل المريض بعشرات الآلاف من الدنانير ، ويبيعون بيوتهم وأجسادهم من جديد لتسديد فواتير المستشفى الوهمية ، وهذا غيض من فيض في المستشفيات !! ولا اقصد في الأردن مثلاً .....فهي حالات نسمع عنها في العالم !! والطبيب الذي يدخن على سرير مريضه المصاب بالربو وينفث النيكوتين في وجهه ، والطبيب الواقف على باب طوارئ المستشفى الرسمي يتلوى مع الهاتف ، وذوو المريض يتوسلون وهو يشير إليهم بالابتعاد قليلاً ، وتطول المكالمة ، ثم يشير إليهم بيديه بقرف حتى تنفجر الزائدة الدودية ويختلط الصديد بالأمعاء وتصبح الحالة الحرجة حالة رحيل !! كيف سيثبت الأهل استهتار الطبيب بهم وبمريضهم ؟؟ وهل الاعتداء على الطبيب هو المطلوب أو هو الحل في حالة جلوس أربعة أطباء يتسامرون في عيادة واحدة ، في الطوارئ مثلاً وأهل المريض ينظرون إليهم باستعطاف ، وهم حين يتحركون من أماكنهم يتسامرون ويتكزدرون في الممرات ولا يولون الحالة نظرة اهتمام جادة ، وحين يصرخ ذوو المريض تنهال عليهم الاحتجاجات ؟ وتبرز عملية رفض معالجة الحالة بحجة همجية أهل المريض المرافقين ، أو همجية المريض المتوحش تجاه مدنية الأطباء المتعلمين والمثقفين والاعتداء على حقوقهم الرفيعة المتسيدة على القوانين ، ؟؟ ويظلم المسكين المريض بتهمة التوحش وربما يتحطم نفسياً وجسدياً إلى الأبد وربما يستفحل ويستوطن الغل والبغض في قلوب أهله المكسورين الذين من واجبهم الانكسار في تقبل الموت أو أوامر الطبيب العظيم ، أو المضاعفات أو الإهمال ، كونهم أهل مريض لا حول له ولا قوة !
طبعاً الوضع واضح أن الأضعف هو المريض وأهله الملوعون لكلمة تطييب وتحبب وتبريد قلوب ومعالجة بالحسنى والأسلوب !
لقد بات في منظور الطب ، أن أهل المريض أو المريض نفسه وفي نظر الطبيب هم متسولون جاءوا للتوسل من بيت الطبيب ، حتى في المستشفيات المستنزفة لمال ودم المريض ، والغريب أن الحالة لم ترتق في المستشفيات الخاصة لأفضل منها في القطاع العام ، ولأن أغلب الأطباء العاملين في القطاع الخاص هم تربية وخريجو القطاع العام ، نرى أن التعامل والفوقية للقطاع الربحي في المستشفيات الخاصة هو بنفس المستوى في القطاع العام ، مع فارق أن القطاع الخاص يقتل عدة مرات بعد القتل الأول للروح والقتل الثاني للمعنويات ويكون القتل الثالث للمال والممتلكات للمريض !!
وفي حالات الشفاء أو نجاح العملية يبيع المريض حياته وماضيه ومستقبله ليموت من جديد ألف مرة !
لماذا تنفصم العلاقة بين المريض وبين الطبيب لمجرد مثول المريض أمام طبيبه ، وينقطع التواصل ؟ وتبدأ عملية الشد والرخي القليل ؟ وتتوالد قامة رقيقة تعيسة مستضعفة ، تخفض رأسها ويجب أن تتنازل عن كرامتها في الكلام والتوضيح وحتى إذا طلب المريض حقاً أو اقترح دواءً أو اعترض ، على أوامر الطبيب ، صرخ به تعال واجلس مكاني أيها المريض التعيس . وكأن المقعد هو مقعد للرئاسة وللجلوس الحاكم ال...؟ أطباء لا حصر لأعدادهم .... يجلسون في عياداتهم من اجل الكشفية التي تستمر في الهطول لتشكل مصدر دخل فقط ،دون الرجوع للضمير الإنساني والطبي ويأكلون الحرام هنيئاً مريئاً ... والطبيب الذي يصرخ بمريضه ويحتقره ويتفشش به ويعامله كأنه قطعة قماش بالية لمجرد أن دخل المريض منكوش الشعر مهبوش الوجه أشعث أغبر ، ويغضب أهله ويثورون ، ثم تقع المصيبة بالاعتداء على الطبيب لاسترجاع الكرامة المهدورة للطرفين ، ذاك الطبيب .... لا يسحبه إلى التوقيف سوى أفعاله !!
فلماذا يزج بعض الأطباء أنفسهم عنوة في ذاك الجحيم ؟؟ وهم يدركون ونحن ندرك حجم الروع والخطورة في توقيف الطبيب لمجرد الشك والظن في حالة ما ، وهذا اخطر ضربة في تاريخ معالجة الضدين الذي أصبحا ( خصمين )في الساحة العلاجية أو الطبية !! وتوقيف الطبيب وإهانته بالتشكيك بشهادته العلمية والأخلاقية والسلوكية ، هو عين التدمير لسمعته ومسيرته التي ربما لن يسهل ترميمها مهما طال الزمان ، وفي أي غربة أو أي مشفىً يهرب إليه ذاك المطعون في شرف مهنته ، وربما يكون الطبيب الموقوف بريئاً تماماً وربما يكون أفضل عطاءً وسهراً وتوقاً لتجسيد شهادته بالتميز الإنساني والتفرد بالطب ، وربما يكون أرق قلباً وأوسع صدراً وأدق معرفة وعلماً في تاريخ عمله الراقي ، ويروح في إغماضة عين ضحية وشاية أو تقصير غير مقصود ، أو ضحية فوضى إدارية لا يتحمل مسؤوليتها ابداً ، والحقيقة حين تظهر متأخرة حتى ولو بعد يوم ، فلن تغير من واقع الجرح والطعنة في محيط وهالة الطبيب الموقوف !! والله إنني لأرتجف خشية وحرقة على الطبيب الذي تتم جرجرته ، ووضعه في قفص حافلة الموقوفين والتوجه به إلى الجويدة ! ولا أستطيع أن أتخيل مشهد سماعة طبية ترتمي باكية على صدر طبيب يحني عنقه حزناً ويبدل ثوبه الأبيض بالأزرق قبل أن تثبت على كتفيه مراهم الجرم أو الجنحة أو ....، وحتى لو رجع لمشفاه أو عيادته بريئاً رافع الرأس الذي انحنى قبل أيام ، فمن يتحمل أوزار طعنته عند الحلم والحقيقة والبراءة الناصعة ؟ ، بالفعل من يساعد الطبيب في لمس جبينه وتضميد عرق إحراجه وسمعته بين الأطباء ؟
من يعيد للطبيب رأسه المرفوع سوى نفسه وضميره ؟؟ وثقة المريض بكفي ذاك الطبيب ؟ من يضمد دموع سماعته التي استمعت لآلاف القلوب ونبضها ويده العائدة ترتعش خوفاً من تهمة جديدة سوى ضميره وأخلاقه ؟ وكيف يستعيد إمكانياته العلمية واثق الشكيمة قوي المبضع دقيق المشرط ؟؟ وخاصة بعد أن نسفت أصابعه العلمية بالتشكيك الذي أصابه في العمق إلى الأبد ؟ إن حكاية توقيف واتهام والظن في الطبيب ، حكاية تختلف عن توقيف محرر شيك مالي أو آثم أو سارق أو مخل بالآداب ، إنها بالفعل حكاية لا نهاية لها في مساحات الطب بالذات !
طبعاً إنها كارثة ، ومعالجتها تعود أولاً لضمير الطب والروح الكامنة في نفس كل من تلقى علوم الطب من أجل الناس مملوءة بالإحساس !!
المراجع
odabasham.net
التصانيف
أدب مجتمع