علينا الاعتراف جهراً بأننا وبالرغم من كل المظاهر المدينية التي نعيشها ، اننا ما زلنا نعاني من النمو المتصاعد والباقي لفكرة الهيمنة الذكورية في مجتمعنا ، وان العديد من مسلكياتنا الاجتماعية والحياتية ما زالت ترتبط بالمضخ الأبدي لفكرة الذكورة وهيمنتها.
فبعض اللآباء الذين يذهبون بزوجتهم الحامل الى غرف الولادة ، ويبدأون بالمشي المرتبك في ردهات المستشفى ، بانتظار المولود الجديد ، وهم يفركون ايديهم ، وحينما تطل الممرضة قائلة للأب "مبروك العروس" ، يشعر الأب بغصة في الروح ، ويبدأ بالتفكير بالمقولة السائدة "هم البنات للممات" ، مثلما يبدأ استعدادته النفسية لاستقبال ما يشبه المواساة من اهله واقاربه وباقي الاصدقاء.
اما الزوجة الخارجة للتو من آلام الطلق والولادة ، حينما يبلغونها بالخبر عن نوعية المولود ، تبدأ هي الاخرى وكأنها مذنبة وعليها احتمال تقديم الاعتذارت المتتالية لاهل زوجها وللجيران والاصدقاء على اعتبار انها هي التي تحدد نوعية المولود الذي تحمله.
وبعض الآباء والامهات يتعاملون مع النمو الجسماني لبنت البيت بنوع من الذعر كلما برزت ملامحها الانثوية ، ومن هنا تبدأ الأم باخبار الجارات والصديقات عن استعدادها لتزويج ابنتها ، مرحبة بأي عريس قادم ، بغض النظر عن عمر الفتاة الذي لم يكتمل ، وبغض النظر ايضاً عن عمر العريس. ومن هنا تبدأ فكرة تكريس مسمى العروس عند البنت التي تبدأ هي الاخرى في التعامل مع جسدها باعتباره ضحية لرجل قادم من الغيب الاجتماعي.
وحينما يقبل عريس الغفلة يتم التهاون معه بهدف تخلص بيت العائلة من هذا الكائن الانثوي الذي من الممكن ان يجلب العار في اقرب مشكلة قادمة.
وبعض الازواج يتنكرون لنطق اسم زوجاتهم بالاسم الصريح على اعتبار ان هذا الاسم الصريح هو فضيحة مجلجلة. فيقولون "ام العيال" او"الاهل" والبعض يتمادى في التفكه وهو يسميها ب"وزارة الداخلية" ، وحينما تكون قريبة منه في أي حلقة اجتماعية ينهرها بصوت ذكوري متعالْ بقوله "يابنت".
والغريب ان هذه الظاهرة المُزمنّة في السطوة الذكورية في تعاملنا مع الانثى قد جعل الانثى الأم أو الحماة ، تتجلى في ابتكار انواع عديدة في امتهان الانثى. لابل ان بعض النساء يقمن بدور الذكر القامع في حالة غياب الأب او موته.
ان المشاكل الاجتماعية التي باتت تهدد بناء مجتمعنا ، هي في الاصل قائمة على هذا الانبعاث الذكوري الماضوي الذي يظل يتجدد في كل مرحلة زمنية بشكله الحربائي المخاتل. هذا الانبعاث الذي يظل يؤكد على ان الانثى مخلوقاً اضافياً لا يجر الا العيب وهو وحده من يمرغ شرف العائلة في التراب.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خليل قنديل جريدة الدستور