مهما  كان  عمره يستطيع المرء، منذ طفولته، الحفاظ على صحته ولياقته البدنية، إذا وعى أهمية التمارين الرياضية، وواظب على ادائها بانتظام، وتزداد فوائدها بنوعية وكيفية اختيار هذه التمارين، بما يناسب المراحل العمرية للانسان.
 
وهنا في موضوعنا هذا سنتتبع المراحل العمرية هذه، والتغيرات التي تطرأ على الجسم في كل مرحلة، ونوعية وكيفية التمارين التي تناسب كلاً منها.
من سنتين إلى خمس سنوات
ينمو جسم الطفل في هذه المرحلة بسرعة ملحوظة، ويستطيع بالكاد تحمل الثقل المتمثل في وزنه وعضلاته. وأثبتت إحدى الدراسات التي أجراها الباحثون في قسم علم الحركة في جامعة ميريلاند في واشنطن، أن حبو الطفل وحركاته العشوائية التلقائية، أفضل نشاط عضلي يمكن أن يؤديه في تلك الفترة.
وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال عن مقدار التمرينات التي يجب أن يؤديها الطفل في هذه السن . يقول المختصون إنه لا يجب أن تزيد فترة التمرينات العشوائية التلقائية عن 15 دقيقة يومياً.
إذاً فما نوعية التمارين التي تناسب الطفل الذي يحبو، أو بالكاد يستطيع المشي على قدميه؟ بروفيسور كريغ وليامز، المدير المساعد لمركز أبحاث صحة وتمارين الأطفال في جامعة اكسيتر يقول: "يولد الطفل ولديه استعداد فطري للتسلق والجري والقفز والتحرك، ولابد أن نسمح له بذلك، بل يجب أن نشجعه عليه كخطوة أولى على سلم اللياقة البدنية الدائمة".
وحسبما يرى اختصاصي طب الأطفال الأمريكي, دكتور ايريك سمول، فإن الطفل يمكنه القيام بأنواع أخرى من التمرينات المنظمة التي تناسب هذه المرحلة، كتمرينات الحبو، ورياضات الهواء، و"يوجا" الأطفال، ولكنها ليست ضرورة، كما أن أجسام الصغار لا تستطيع ممارسة الأنشطة البدنية اللازمة لتقوية وتحسين الحالة الصحية للقلب والأوعية الدموية، كما أنهم ليسوا في حاجة إليها في الأساس . ومن الناحية النفسية، يمكن أن يؤدي الإفراط في ممارسة الأنشطة الرياضية النظامية إلى نتائج عكسية، فطفل الثلاث أو الأربع سنوات يمكن أن يصاب بالملل إذا ألحق بأحد نوادي كرة القدم أو بأي نشاط رياضي رسمي.
من خمس سنوات إلى ثماني عشرة سنة
تلك هي مرحلة التغيرات الهرمونية والنمو السريع، إذ ينمو جسم الطفل الذكر في هذه الفترة بمقدار تسعة سنتيمترات سنوياً، بينما ينمو جسم الفتاة بمقدار ثمانية سنتيمترات.
وعند بلوغ الفتاة سن 12 و13 سنة، يزداد معدل نموها إلى أن يكتمل في الثامنة عشرة، بينما يكتمل نمو الصبي عند بلوغه العشرين.
وللمواظبة على أداء التمرينات الرياضية في هذه السن أهمية كبرى، لما لها من دور فاعل في تحفيز النمو الطبيعي للفتى والفتاة، كما تجنبهما الإصابة بالسمنة عند البلوغ.
ويجب على أطفال الخامسة وحتى الثامنة عشرة، أداء ساعة يومياً من التمرينات المعتدلة، التي تتطلب منهم مجهوداً كبيراً، ولكن لايصل لدرجة الإرهاق.
كما يرى البروفيسور كين فوكس، أستاذ علم وظائف الأعضاء في قسم علم التمرينات والصحة في جامعة بريستول في لندن بالمملكة المتحدة، أنه لا ضرر إذا امتدت هذه الساعة من التمرينات، فبديهياً أن تزداد فترة التمرينات عن الساعة المحددة، لأن كون الطفل غير جالس يعتبر تمريناً في حد ذاته.
وبخصوص نوعية التمرينات التي تناسب عظاماً لم تصل بعد إلى مرحلة النمو الكامل، فينصح المختصون بممارسة الرياضات المعتدلة، مثل السباحة، والجري، وركوب الدراجات، التي تعزز النمو الطبيعي للجسم وتقيه مخاطر الإصابة بالسمنة، وضرورة تجنب الرياضات العنيفة مثل رفع الأثقال.
وينصح الآباء باقتناء أحبال القفز وشبكات كرة السلة الصغيرة، وعصي البوجو وكرة البيسبول والكريكيت، في المنازل لتكون في متناول الأطفال. كما يجب على الأهل تشجيع الطفل في سن العاشرة وحتى الثامنة عشرة، ولداً كان أم بنتاً، على المشاركة في المسابقات الرياضية، وممارسة رياضة الجري، وركوب الدراجات.
ولا يجب تهميش دور الرياضة المدرسية، فعلى الجهات المختصة أن تولي اهتماماً أكبر لإشراك التلاميذ من خمس إلى 16 سنة في الأنشطة الرياضية المدرسية مدة لا تقل عن ساعتين أسبوعياً.
وإذا لم تكن للمدرسة اهتمامات بمثل هذه الأنشطة، فعلى والد الطفل، أو الطفلة، منهجة ذلك بصفة شخصية، إذ أثبتت الدراسات أن اتجاهات الأبناء تتأثر كثيراً باتجاهات الآباء.
من ثماني عشرة سنة الى ثلاثين سنة
هذه هي المرحلة العمرية التي يسهل فيها الحفاظ على وزن مثالي، إذ تصل عملية حرق المواد الغذائية لتحويلها إلى طاقة إلى أعلى مستوياتها من الكفاءة، ويتم التخلص من السعرات الحرارية في فترات الراحة وحتى أثناء القيام بنشاط ما.
ولكن من الممكن أن يتعرض الجسم لزيادة منتظمة في الوزن يصعب التخلص منها فيما بعد، ومعروف أن كثافة العظام تصل إلى أعلى مستوياتها بين الخامسة والعشرين، والخامسة والثلاثين، وأن كتلة العضلات تكون في أفضل حالاتها في الخامسة والعشرين، ما يجعل هذه الفترة العمرية الأسهل للحفاظ على الرشاقة واللياقة البدنية.
وينصح الفرد في هذه المرحلة بأداء 30 دقيقة يومياً على الأقل، من التمرينات المعتدلة على مدار خمسة أو ستة أيام أسبوعياً.
ولا يعني ذلك أن هذه هي المدة الكافية للحفاظ على الحالة الصحية للفرد في هذه المرحلة العمرية، بل يجب عليه أداء ثلاث ساعات على الأقل أسبوعياً، من رياضات الهواء التي تنشط عمل القلب والرئتين.
كما يجب ألا يخلو جدول ممارسة الألعاب من تمارين التحمل للمحافظة على كثافة العظام والمرونة.
وتتضمن هذه التمرينات تحريك الجسم على سطح ما، مثلما يحدث أثناء الجري أو أثناء ممارسة ألعاب الهواء، فيؤدي ذلك إلى تقوية العظام، والأوتار، والأربطة، بفعل الضغط الواقع عليها.
ويجدر الإشارة هنا إلى أن التجديف، والسباحة، وركوب الدراجات، لا تندرج تحت هذه النوعية من التمارين.
ولعل الجري، والسباحة، والمشي الخفيف، وركوب الدراجات، من أنسب الرياضات لأبناء هذه المرحلة، كما يمكن ممارسة اليوجا لمزيد من مرونة العضلات.
وإذا لم يكن لديك الوقت للقيام بمثل هذه التمارين يمكنك الوثب الذي ينشط الجهاز الدوري ويقوي العظام والعضلات، كما يؤدي إلى حرق 110 سعرات حرارية خلال 10 دقائق.
من سن ثلاثين حتى أربعين سنة
في هذه المرحلة السنية، إذا تكاسل الشخص عن ممارسة نشاط رياضي فسوف يفقد من واحد إلى اثنين في المائة من كتلة العضلات سنوياً بداية من الثلاثين وما بعدها . وعند بلوغ الخامسة والثلاثين سيكون بحاجة إلى 125 سعراً حرارياً يومياً على الأقل.
وتفرز الغدة النخامية في كل من الذكر والأنثى نسبة قليلة من هرمون النمو في تلك المرحلة السنية، مما يؤدي إلى تراجع في نمو العظام والعضلات.  ويتعرض الإنسان في هذه السن إلى آلام المفاصل التي قد تصل إلى التمزق، ويستغرق شفاؤها وقتاً طويلاً.
وأبناء هذه المرحلة العمرية يلزمهم من ساعتين لأربع ساعات أسبوعياً من تمرينات الوزن والقوة، التي يمكن أداؤها في صالة الألعاب الرياضية أو بالمنزل باستخدام الأحزمة المطاطية، أو برفع عدد كبير من المعلبات أو حتى بالحفر في حديقة المنزل، بالإضافة إلى ساعة أسبوعياً من تمرينات التمدد والمرونة مثل "اليوجا".
أما نوعية التمارين المناسبة للإنسان في هذه السن فتشمل تمارين الأثقال، والتمرينات الهوائية لا تحافظ على الرشاقة فقط، ولكنها أيضاً تساعد في المحافظة على كثافة العضلات وصلابتها كما يقول "لويس ساتون"، المحاضر في العلوم الصحية والرياضية في جامعة ليدز ميتروبوليتان.
من سن اربعين حتى خمسين سنة
في هذه السن تضعف العظام وتتدهور أسرع من تكونها، وتفقد النساء واحد في المائة من كتلة العظام سنوياً من سن الأربعين وحتى انقطاع الطمث، الذي يحدث في أواخر الأربعينات أو بداية الخمسينات ويصاحبه عدد من التغيرات الهرمونية التي تسبب زيادة الوزن بمعدل رطل سنوياً حتى انقضاء انقطاعه.
والتغيرات الهرمونية التي تحدث في سن الخمسين في هرمون التستوستيرون وهرمون "دي إتش آي إيه" الذي ينتج بشكل طبيعي من الكولسترول الذي تفرزه الغدد الكظرية للذكور والإناث، والذي يساعد في التحكم في استخدام الطاقة، تبدأ هذه التغيرات في التراجع ما يجعل الحفاظ على الرشاقة من الأشياء الصعبة، إلا أن الانتظام في أداء التمرينات يساعد في إبطاء وتيرة هذه التغيرات.
أما مقدار التمرينات المناسبة لهذه المرحلة فمن ساعتين لأربع ساعات أسبوعياً من تمرينات الوزن والقوة، وتمرينات تقوية الجهاز الدوري، إضافة إلى ساعة أسبوعياً من تمرينات التمدد والمرونة.
والتمارين المناسبة تشمل التمرينات الهوائية مثل الهرولة التي تحرق الدهون بفعالية كبيرة، لذا احرص على أداء 16 ألف خطوة يومياً مهرولاً . ولو شعرت بألم في المفاصل، استبدل هذه التمرينات بالسباحة أو ركوب الدراجات.
ولا يقلل ذلك من أهمية تمارين الأحمال، إذ أثبتت الدراسات أن رفع 70 في المائة من إجمالي ما تستطيع رفعه مرتين أسبوعياً يقلل من فقدان كتلة العضلات في هذه السن.
ويمكن أداء مثل هذه التمرينات في صالة الألعاب أو في البيت، حيث يمكن رفع زجاجات مملوءة بالرمال أو بالماء.
من سن خمسين حتى ستين سنة
تبدأ كتلة العضلات في التدهور بداية من سن الخمسين بمعدل خمسة أرطال سنوياً، مما يؤثر سلبياً في الرجال بدرجة أكبر من النساء.
ويستعاض عن العضلات المفقودة بالشحوم مما ينبئ ببداية حقيقية لمتاعب خريف العمر.
كما تتغير لدى السيدات عملية توزيع الشحوم في الجسم بعد فترة انقطاع الطمث، مما يكسب المرأة شكل التفاحة بسبب انتقال الوزن إلى منطقة محيط الخصر، ما ينتج عنه مخاطر الإصابة بأمراض القلب ويقلل من القدرة على تحمل الجلوكوز.
وللتأكد من عدم وجود مخاطر من هذا القبيل، يمكن وضع شريط قياس حول الخصر، فإذا تعدى القياس 80 سنتيمتراً للنساء و94 للرجال فذلك يعني أنك في خطر متزايد للإصابة بأمراض القلب والسكري، وإذا تعدى القياس 88 سنتيمتراً للسيدات و102 للرجال فذلك مؤشر على الوصول إلى أقصى درجات الخطر.
أما مقدار التمرينات المناسب لهذه السن فمن ساعتين لأربع ساعات أسبوعياً من تمرينات الوزن والقوة، وتمرينات تقوية الجهاز الدوري، إضافة إلى ساعة أسبوعياً من تمرينات التمدد والمرونة، وتشمل تمارين السرعة والتحمل مثل التنس الأرضي وتنس الريشة، ولعب كرة القدم.
وتعد تمارين الاندفاع وخاصة مع حمل أثقال باليد، ورفع الساقين من شأنه تقوية عضلات الفخذ، مما يساعد على تجنب الإصابة بهشاشة العظام.
من سن الستين فأكثر
كلما تقدم العمر بالإنسان، زادت كميات المياه التي يفقدها البناء الجسماني، والغضاريف التي تحمي المفاصل وتصبح الأنسجة ضعيفة فتزداد احتمالات الإصابة وسهولتها.
وهشاشة العظام حالة مرضية تنكسية يكثر حدوثها في سن الستين وما بعدها، وتحدث عندما تضعف الغضاريف التي تحمي المفاصل، مما يسبب انحناءها تجاه بعضها البعض.
ومابين سن السبعين والثمانين، يقل عدد الأنسجة داخل العضلات إلى نصف عددها بالنسبة لخمسيني، مما يعني تدني القدرة على القفز أو أداء التمرينات الرياضية.
وعند بلوغ الثمانين يقل طول الرجل بمقدار بوصتين بينما تقصر المرأة بمقدار ثلاث بوصات عما كانت عليه وهي ابنة الثلاثينات، والسبب في ذلك تناقص كتلة العظام.
وأظهرت الدراسات أن كبار السن الأكثر مواظبة على ممارسة الرياضة تتمتع أجسامهم بقدر أكبر من المرونة، كما أنهم أقل عرضة لحوادث السقوط وللإصابة بأمراض قاتلة مثل أمراض القلب والسرطان والسكري، أما مقدار التمرينات المناسب لهذه المرحلة السنية، فيجب الحرص على أداء 30 دقيقة من النشاط المعتدل، خمسة أيام في الأسبوع.
وإذا كنت تعاني من التهاب المفاصل، فالسباحة من التمارين الرياضية التي تناسبك فالماء بمثابة وسادة قوية واقية للجسم.
وتؤثر حركات الأطراف في مجموعات عضلية مختلفة، لذلك حاول دائماً الجمع بين السباحة للأمام وعلى الصدر وللخلف وكالفراشة.
وتعد تمرينات الوزن أو أنشطة الصلابة مثل تمرينات "بيلاتس" التي تهدف إلى تعزيز قوة الجسم، وزيادة مرونته وإحداث التوازن، الأنسب لتقوية العظام وللوقاية من هشاشتها.
كما أن أداء التمرينات المنتظمة في الصالات الرياضية طريقة رائعة لضمان عدم المبالغة في أدائها . وتعد تمرينات "تاي تشي" الصينية التي تتم بأداء حركات بدنية بطيئة وهادئة لإحداث حالة من الاسترخاء في الجسم والعقل، ذات تأثير فعال في تحسين مشكلات التوازن المصاحبة للتقدم في السن.

المراجع

altibbi.com

التصانيف

الطبي   طب   العلوم البحتة