بعض المواقف المفصلية في السياسة العربية والدولية تستحق فعلاً أن تتحول الى درس في علم السياسة ، تستنبط منه الحكم لمعرفة حجم الوقع السياسي لأي طرف.
ويوم أمس الاول تلقت السياسة العربية بمنهجها التأملي والانشائي السائدين ضربة في الرأس ، أكدت أن السياسة العربية سياسة هشة ، لا تعتمد في اساس خطابها على ما أنجزته على ارض الواقع الدولي من مكتسبات ، بل تعتمد واهمة على ما يمكن أن يفعله خطابها السياسي الرائج في تحليقاته الفضائية.
وهذه المرة جاءت الضربة من الصين ومن خلال فعاليات المنتدى الاقتصادي الرابع الذي استضافته جمهورية الصين ، واستضافت من خلاله مجموعة من الرموز السياسية العربية وعلى رأسهم السيد عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية. فقد حاول الوفد العربي أن يمرر وثيقة تحمل في نصوصها فقرة تشير الى أن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية المقبلة ، فما كان من الطرف الصيني الا الرفض القاطع لهذه الفقرة مطالباً بحذفها.
الساسة العرب الذين يعرفون ان ابناء واحفاد الرفيق ماوتستنغ لا يمكن لفقهياتهم السياسية ان تكون ضد الشعوب الذبيحة في حقها السياسي. والساسة العرب يدركون بأن تواصل هذا المنتدى في سنته الرابعة قد أدى الى زيادة التبادل التجاري مع الصين الى مايزيد عن المليار دولار ، والساسة العرب حينما تقدموا بهذه الفقرة اعتقدوا ان اعتماد الصين على البترول العربي بنسبة95% يمنحها الحق في ألتأكيد على حق عربي يتم تجاهله دولياً.
لكن الصينيين رفضوا رفضاً قاطعاً هذه الفقرة ، لا بل ذهبو بروتوكولياً الى ابعد من ذلك حينما رفضوا الاجابة عن اسئلة الصحفيين بهذا الخصوص ، ومن ثم قاموا بمنع الصحفيين من توجيه الأسئلة الى ضيوفهم العرب.
هذه الفضيحة الدولية التي وضعت السياسة العربية على المحك ، تستحق منا أن نسأل عن هذا الدوار السياسي العربي وحقيقة دوره الدولي ، وعن قدرة الساسة العرب في حمل المعتقدات السياسية العربية وتسويقها في المؤتمرات ، وتثبيتها كخط احمر من الصعب تجاوزه.
ويحق لنا أن نسأل عن المسافة بين التصريح السياسي العربي وبين الواقع وأن نحاول أن نسأل عن محل اقامة هذا التصريح وعن مستوى تحليقه فوق الواقع.
ان فضيحة الموقف الصيني الذي لم يراع أبسط قواعد الضيافة السياسية: يستحق منا أن نسأل عن الاشواط الوهمية التي قطعتها السياسة العربية دولياً ، مثلما يجعلنا نقول لهؤلاء الساسة لقد اشبعتموننا جعجعة دون أن نرى طحناً.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خليل قنديل جريدة الدستور