حين يقبل عليك مصافحاُ في اي نشاط ثقافي ، أو سياسي ، فانك ترى امامك طاووساً يختال بين الحضور بحجة دوره المعارض الذي في كل المجالات السياسية والثقافية ، والرفض السياسي الكامل لكل الاحداث القائمة في الاردن وفي الدول العربية وفي دول العالم عموماً. ولهذا تراه وهو يؤسس لمثل هذا المشهد عند الآخرين ، يحاول رغم قامته المتواضعة في الطول والحجم أن يبدو شامخاً ومنتفخاً ويتطلع الى كل من حوله بنظرات تقززية تمنح شفتيه وارنبة انفه شكل الرجل الذي يتنفس رائحة مقززة بشكل دائم.
ويبدو في العادة وهو يتابع اي نشاط ثقافي وكأنه الكاهن المستقر في العلم والمعرفة وهو يبارك هذا الحضور ويمنحه بركاته النضالية. يفعل هذا بثقة منقطعة النظير ، والغريب انه حينما يلتقيك فجأة ويهم بمصافحتك تراه يطمئن عليك باعتبارك جزءا من كوادر تنظيمه الغامض ، ليشعرك بأنه يتزعم حياتك كل توجهاتك السياسية وحتى الثقافية.
وهو حينما تتاح له المنصة كي يخاطب الحضور في اي نشاط ، تراه يقدم اقسى وجهات النظر السياسية تطرفاً ، دامجاً تاريخ السياسة العربية بالمخططات والمؤامرات ، وبالطبع يتبع ذلك الحديث عن الراسمالية والطبقية والبرجوازية الوطنية والماركسية العالمية ودول الممانعة العربية ودعم الحركات الاسلامية المناهضة للاحتلال والاستعمار المعولم القادم للمنطقة.
وفي بحثي الدائم عن الاصول النضالية لصديقنا المعارض هذا ، والتحرش ببعض اصدقائه لم أجد حزباً عربياً واحداً كان قد انضم الى صفوفه بخلوصية تامة ، ولم اجد في تارخه النضالي أي محاولة للقيام بعملية فدائية في الاراضي الفلسطينية المحتلة ، حينما كانت مثل هذه العمليات تحدث يومياً وكانها حالة تدريبية لأي مناضل طازج.
في بحثي الدائم عن الاصول النضالية لشخصية هذا المعارض وجدت ان ميادينه النضالية تكمن في اتحادات الطلبة ، وفي المؤتمرات النضالية العربية ، وفي دعم الانشقاقات التي تشطر الاحزاب والتنظيمات السياسية العربية ، وانه في كل تاريخه النضالي يحاول أن يقف في المنطقة التي تتمتع بنوع من الديمقراطية الوليدة كي يأمن سلامة راسه.
وصديقنا المعارض هذا يقوم بدور المتخفي حينما يوقع عقد زواجه أو حينما يوقع عقد ايجار بيته ، أو حتى حينما يقوم بتسديد فاتورة الماء أو الكهرباء ، لان هذه المواقع تفتقر الى الهتاف وضجيج المعارضة.
والاغرب من هذا كله ان صديقنا المعارض بزعامته الوهمية هذه استطاع ان يفرّخ أكثر من معارض على هذا النحو من المعارضة التي تسمعك جعجعة ولا تريك طحناً. الى درجة ان مجموع هؤلاء صار يشكل ظاهرة.
وهذا ما أوقعنا بما يمكن تسميته بأقسى اشكال الضجر السياسي والنضالي ، وتلكم هي المآساة.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خليل قنديل جريدة الدستور