يحتاج علم الاجتماع احياناً الى العودة لمراجعة ابجدياته ، والتأكد من يقينه الحازم بشأن العديد من القضايا المجتمعية ، وذلك بسبب الانقلابات في المفاهيم الاجتماعية الراسخة التي تخلفها الحادثة السياسية التي تحفر جرحها العميق في الذاكرة الانسانية.

وبناء عليه يبدو أن الشعوب وهي تمارس تطورها وتحضرها الضروري في استمرارها بالحياة والعيش ، انها تبقي بعض المفاهيم بمنأى عن اي تطور او تغيير ، ونعمل على جعلها مثل الايقونة المطلسمة راسخة عصيّة ومختبئة بانتظار الحالة الدهمائية الغبية تاريخياً كي تجدد حضورها بالفتنة والقتل والمحاربة الدموية.

ومن تابع اشعال الفتيل الاول للحرب الطائفية اللبنانية مطلع السبعينيات وتمزق المجتمع اللبناني وتدمير قواه الاقتصادية والقتل الشوارعي على الهوية ، لا بد وأن يدرك ان الشعب اللبناني المتحضر تاريخياً قد تقدم وتطور في كل شيء مبقياً على هذا الهامش الطائفي لايقاظه وقت الحاجة ، وكانت ان حدثت الحادثة وتم اشعال الفتيل وكانت النتائج مدمرة.

ومن يتابع الشأن العراقي سيدرك بأن دولة العراق التي قامت منذ مطلع القرن العشريني الفارط ، لم تستطع وبرغم كل الافكار الفكرية والثقافية والعلمية والماركسية والعلمانية التي تقلبت فيها الدول العراقية ، ان تنتج الشخصية العراقية المعافاة تاريخياً من المرجعية الطائفية. فالعراق اليوم وبغض النظر عن تصريحات معظم الساسة التي تحاول ان تتحدث بالمنطق العلماني والديمقراطي يُطبخ مستقبله السياسي على نار طائفية هادئة.

والعجب العجاب هو ما حدث مؤخراً في دولة قريغستان من حرب طائفية هجرت ما يزيد على 800 الف اوزبكيا ومئات القتلى والجرحى. وذلك اثر خلع الرئيس وقيام الحكومة المؤقتة. ونقول العجب العجاب لان هذه الدولة هي من الدويلات التي كانت تتبع دولة الاتحاد السوفييتي ، وتعيش في رخاء دولة عظمى ، ولهذا كان من الاجدر بدولة مثل هذه وهي تتلقى التعاليم الماركسية والجدلية المادية ، وعاشت مجد الهيمنة السوفيتية ابان الحرب الباردة وتفريخ الثورات أن تكون اكبر من الفكرة الاثنية أو الطائفية. لكنها في لحظة غباء تاريخية امتدت فيها يد الدهماء لتوقظ عدوانيتها الاثنية والطائفية.

انها عجلة التاريخ التي تظل تدور هارسة كل النتاجات الايجابية للانسان ومبقية على بذور شيطانية ما أن تلامسها يد الدهماء حتى تتطاول و تصبح غابة من الحمق.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة  خليل قنديل   جريدة الدستور