لأنهم لم يتذوقوا طعم الاقامة الدائمة فوق الارض عبر تاريخهم ، بل ظلوا في مساحة الشتات ، والمنافي الارضية ، فانه من السهل عليهم التعامل مع الآخر باعتباره طارىء على الارض والتاريخ. وأن على سكان الارض قاطبة أن يعيشوا التجربة ذاتها.
وفي الدولة العبرية التي قامت في الاصل على الاجتثاث والاحلال واعادة انتاج الفلسطيني بالطريقة ذاتها التي انتجت من خلالها الشخصية اليهودية ، يمكن ملاحظة ان الاعمال العدوانية التي تقوم بها الشخصية العبرية المتصهينة في احياء القدس الشرقية من اقتحام للبيوت الآمنة ، هي محاولة أخيرة لتنقية المكان المقدسي من سكانه العرب ، ومنح المكان صبغته اليهودية النقية.
والعالم العربي والاسلامي والدولي يبدو انه لا يعي المشهد الذي يقوم به المستوطن الاسرائيلي حينما يداهم بيتاً آمناً لعائلة مقدسية عند منتصف الليل ، ويتم هذا الاقتحام تحت حراسة ودعم رجال الجيش الاسرائيلي وحرس الحدود.
نعم العالم الذي يشاهد هذا على شاشة التلفاز يتعامل مع المشهد بشكل تجريدي ، وكأنه يتم فوق كوكب آخر ، ويكتفي هذا العالم بالتأفف أو بالشجب والتنديد ، والذهاب نحو تقديم الشكاوى الى الهيئات الدولية.
العالم لا يذهب في تصوره الى مراقبة المشهد الجارح الذي يولده اقتحام بيت العائلة بالقنابل الصوتية ، والقنابل المسيلة للدموع ، وحتى بالرصاص الحي.
العالم لا يعي ذعر الاطفال الرضع والنساء الوحيدات في البيوت حينما يتكسر زجاج النافذة ، أو يتم خلع بوابة البيت ، واقتلاع أشجارحديقة البيت امام سكان البيت.
العالم لا يفهم فكرة اقتحام غرفة نوم العائلة ، بالأسلحة والخرائط التي تسعى لاقامة الحدائق التوراتية.
والعالم لا يفهم بشاعة قرار الدولة العبرية في جعل القدس مدينة يهودية الاوكسجين ، ناسفة الاماكن المقدسة الخاصة بالمسلمين كالمسجد الاقصى ، والخاصة بالمسيحيين ككنيسة القيامة.
وناسفة البيت المقدسي من جذوره ايضاً. وقاتلة لذاك الحنو العمراني الذي ظلّ يميز حواري القدس وشوارعها.
والعالم الذي يشاهد يومياً فعل الاقتلاع والاجتثاث للانسان المقدسي من مكانه وبيته ، دون ان يتحرك له جفن ، سوف يدرك لاحقاً شكل الكارثة التي تقوم بها الدولة العبرية وهي تقود التاريخ من ياقته ، وتجره نحو حفرتها التوارتية الخربة. وعندها سوف يدرك العالم حجم الكارثة ، وحجم ابتلاع السم المسكوت عنه في تهويد القدس.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة خليل قنديل جريدة الدستور