لم يذهب الملك الى بغداد لبحث العلاقات الثنائية والمواضيع الاقتصادية والتجارية الثنائية, وحتى لو تم الحديث فيها فإن الزيارة لم تكن لهذا, فكل القضايا الثنائية تم الحديث فيها خلال زيارة مسؤولين عراقيين الى عمان, لكن الملك دخل بغداد لتحقيق مصلحة عربية, وتقديم رافعة عربية بلغة أردنية للدولة العراقية العربية لتستعيد توازن هويتها السياسية, ولهذا كانت العبارة المهمة التي قالها الملك هناك بأن هذه الزيارة وهدفها إعادة العراق الى مجاله العربي وذلك "مصلحة عربية عليا".
وكما قال مسؤول عراقي فإن الملك كسر الحلقة المفرغة عربيا, وأزال حالة التردد العربية في التوجه الى بغداد, واحتاجت الزيارة الى بوادر حسن نية من الحكومة العراقية التي تتحمل مسؤولية الملاحظات والمآخذ على تحالفاتها السياسية وهويتها الطائفية, وانها لم تكن حكومة عراقية تمثل مظلة لكل العراقيين وبخاصة أن حكومة المالكي تحديدا اكتشفت أن من كانت تتحالف معهم من دول الجوار لم يتوقفوا عن العمل داخل العراق لهدف واحد هو مصالحهم وتعزيز نفوذهم والعمل على جعل العراق ورقة نفوذ إقليمية في جيوبهم, ووجدت هذه الحكومة أن خيارها الوحيد أن تكون عراقية لكل الشعب العراقي.
زيارة الملك الى بغداد دعم للدولة العراقية المستقرة, لان نقيض الدولة هي الفوضى وانعدام الأمن الذي دفع ثمنه أولا الشعب العراقي, ودفعت المنطقة ثمنه ومنها الاردن, فالسعي لتعزيز دولة عراقية عربية مستقرة قائمة على توافق وطني خالية من الأولويات الطائفية, هذا السعي ليس مصلحة أو واجب العراقيين فقط بل مصلحة وواجب عربي, ولهذا كانت المبادرة أردنية بأن العراق لا يحتاج من أمته الحزن والمطالبات, بل ايضا الى مد اليد, والخوف على هوية الدولة العراقية لا يكون بتشخيص الحالة فحسب بل بقطع أيدي العبث بهذه الهوية, فمنهم الشتم وترك الإبل تضيع, منهج العاجزين أو أحيانا ممارسة من أطراف مستفيدة في الاوضاع غير السوية.
بقدر ما نفرح أن يكون الملك أول زعيم عربي يزور بغداد, فإننا نتمنى ان لا يكون آخر زعيم, ونتمنى ان تصل الرسالة الى كل دول الاقليم العربي بأن عزل العراق يفتح الباب امام الآخرين, وان العراق بدخوله المراحل الانتقالية نحو الاستقرار واستعادة الدولة لتماسكها يحتاج الى احتضان, وحتى لو كان هناك مآخذ على اداء السلطة والحكومة هناك فيمكن التصحيح والاصلاح, ويجب أن تدرك الحكومة العراقية ان جزءا من شرعيتها ان تكون جزءا من محيطها العربي, ومن حق الشعب العراقي على أمته ان لا يترك وأن تكون العلاقات بكل أنواعها قوية وحاضرة.
ما نتمناه جميعا ان لا يكون العراق قد وقع تحت الاحتلال, ولا ان تكون دولته ومؤسساته الكبرى قد تعرضت للتدمير والتفكيك بسبب الاحتلال وسياساته. لكن الواقع الحالي يقول إن العراق يجب ان يعود آمنا مستقرا، وجزء من استقراره أن يحافظ على هويته.
الملك في بغداد مبادرة أردنية تحتاج أن تجد استكمالا عربيا، وفي نفس الوقت أن تقابل بتقدير عراقي. ونعني بالتقدير سياسة الحكومة العراقية وتحالفاتها وموقفها من كل أطياف الشعب العراقي وحفاظها على هوية الدولة العراقية.
المراجع
الموسوعة الرقمية العربية
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة