اذا كان القضاء قد اصبح المرجع في حسم قضية مكاتب تشغيل الاموال التي عرفت باسم قضية البورصات، فإن لهذه القضية ابعادا اجتماعية واقتصادية على الفئات الاجتماعية التي دخلت هذا المجال وتضررت منه، وهي في معظمها من الطبقات الفقيرة والمتوسطة، بخاصة ان نسبة ليست قليلة قدمت الاموال لهذه المكاتب، إما من قروض اخذتها وتسددها الان من رواتبها، او باعت ارضا تملكها او رهنت بيوتها او احيانا باعتها. وعندما لا يكون هناك ارباح ورأس المال في علم المجهول فان البنية التحتية لحياة هذه الفئات تصبح ايضا في خطر اقتصادي، لأن الأمر لن يكون خاصا بأثرياء خسروا في أسواق الأسهم، بل فئات فقيرة اصبحت رواتبها مثقلة بالقروض او بيوت سيتم الحجز عليها من البنوك او اراض ضاعت بضياع ثمنها.
هنالك مشكلة اقتصادية اجتماعية ستخلفها هذه القضية، وهي بحاجة الى تشخيص ودراسة، حتى يتم البحث عن اي حلول ممكنة. وربما هذا يدعونا الى الطلب من الحكومة ان تدير هذا الملف باتجاهين، الاول قانوني خاص بتنظيم عمل المكاتب التي تعمل بهذا المجال، حتى لا يكون هناك اي مجال لتكرار التجربة الحالية.
أما المسار الثاني، وهو الأهم، فهو خاص بإدارة الوضع الحالي. ولنحدد هدفا اساسيا وهو انقاذ اموال الناس التي تقدر بمئات الملايين. وعلى الحكومة ان تسلك كل المسارات التي يفتحها القانون وتقتضيها مصلحة عشرات الالاف من العائلات الاردنية.
هنا نتحدث عن بنية اقتصادية معيشية لمحافظات والوية عديدة، وما نقصده أن يكون الهدف ضمان حقوق الناس عبر تفاهمات مع اصحاب هذه الشركات؛ لأن من المهم أن يشعر المواطن أنّ أمواله لم تعد حالة ميؤوسا منها. فوصول الناس الى حالة من اليأس من عودة الحقوق قد يفتح على المجتمع مشكلات من انواع مختلفة، ولهذا نتمنى على الحكومة ان تتحرك نحو هذا الهدف، بخاصة ان بعض هذه الشركات يقول انه مستعد لإعادة الحقوق الى اهلها اذا اعطته الحكومة فرصة. وسواء كان هذا الكلام دقيقا او تبريرا فإن الجهد الذي يفترض ان يكون هو إعادة الحقوق الى اهلها تفاديا لمشكلات كبيرة ستكون نتيجة لفقدان الامل او الدخول في متاهات من الاجراءات.
الحكومة ليست مسؤولة عن قرارات الناس عندما ذهبوا الى تلك المكاتب، لكن المشكلة وقعت والحكومة هي صاحبة الولاية والمرجع للناس، كما ان القضية واسعة وآثارها لن تكون قضايا فردية بل ذات ابعاد عامة. هناك حكومات تحملت مسؤوليات سياسية وفنية على قيام شخص بالعبث في خط مياه نتج عنه تسمم، وذات الحكومة استقال وزير الصحة فيها على قيام محلات شاورما بالعبث في مواصفات الدجاج او المايونيز، والحكومة اليوم عليها مسؤولية سياسية واخلاقية في حفظ حقوق الناس والعمل على منع حدوث كارثة اجتماعية اقتصادية. فالمرحلة ليست للبحث عن الاسباب او التحليل بل للبحث عن الحلول ولدرء مفاسد كبرى قد تحدث اذا لم يتم ايجاد حل جوهره اعادة الحقوق الى اصحابها.
على الحكومة أن تتحرك سريعا لإغلاق هذا الملف بحل يقوم على إعادة الأموال إلى أهلها، وغالبيتهم من الطبقة الفقيرة والمتوسطة، لأن في هذا مصلحة وطنية تتجاوز فكرة خصومة على حقوق بين صاحب مكتب ومواطن. والقانون يعطي الحكومة مساحات للحركة وبعدما تنتهي القضية بعدها نوجه اللوم لمن اخطأ ونوجه اللوم للجهات الرسمية التي كان عليها ممارسة ما هو اكبر وأهم من التحذير عبر إعلانات في الصحف، فظاهرة من هذا النوع والحجم كانت تحتاج إلى تعامل مباشر حتى قبل صدور القانون.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة