عندما اعلن الملك خلال زيارته الأخيرة لقضاء العارضة أن العام القادم هو عام الزراعة؛ فإنّ هذا يعني أن عمل الحكومة والقطاع الزراعي ونقابة المهندسين الزراعيين واتحاد المزارعين وكل الجهات المعنية لن يبدأ مع بداية عام 2009 بل مع الموسم الزراعي الذي نحن على ابوابه، وربما بدأنا به. فالزراعة، وبخاصة البعلية، مرتبطة بالموسم المطري وليس بالتوقيت الميلادي.
قطاع الزراعة من القطاعات التي لا تحتاج لمزيد من التنظير والأوراق والاستراتيجيات. لكن هناك عجز في العمل الحقيقي، بل في القناعة لدى جهات القرار بأن القطاع الزراعي يحتاج إلى العناية.
إحدى المشكلات الكبرى في إدارة هذا القطاع أن تعامل العديد من الحكومات معه كان على أسس إنسانية، وليس وفق رؤية سياسية اقتصادية اجتماعية. وكانت وزارة الزراعة من الوزارات المهملة, حتى أنّ عدد الوزراء الذين تعاقبوا عليها خلال سنوات كان اكثر من عدد مدربي الكرة لفريق متعثر، وبعض الوزراء جاء دون أن يكون من اهل الخبرة والبعض لم يجلس على الكرسي اكثر من 4 أشهر، ومن يستعرض صور الوزراء المتعاقبين ومدة البقاء في المبنى يدرك كم هي وزارة مهمة!
ما يحتاجه القطاع الزراعي هو اصلاح جذري بل انتفاضة حقيقية. والبداية يجب ان تكون في عقول اصحاب القرار وقناعتهم بدور اهمية ودور هذا القطاع، باعتباره قطاعا يمثل هوية الدولة الاجتماعية، وقطاعا لو كان له مردود حقيقي على الاردنيين لما ذهبوا الى مصانع ليعملوا فيها عمالا بأجور متدنية. ولما كان الذهاب الى الشركات والأبنية للعمل حراسا عليها، ولما كانت المناطق الزراعية في الاردن هي المناطق الفقيرة التي تتوجه اليها قوافل المساعدات و(كراتين) الزيت والعدس المجروش والحمص ومناطقهم هي التي يجب ان تنتج للأردن هذه المحاصيل والمواد.
لن نذهب بعيدا في القضايا الفنية لأنّها تحتاج إلى أهل الخبرة الفنية لكننا معنيّون بالمحافظة على جوهر الشعار الذي طرحه الملك، ومعنيون بشكل كبير بإنصاف أنفسنا لأن هذا القطاع هو نحن كمجتمع اردني، وحتى الذين يتحدثون بمنطق المفاضلة او التنازع بين الليبرالية والمحافظين، ويناقشون دور الدولة ومدى نجاح فكر اقتصاد السوق والرأسمالية فإن المؤمنين بالدولة ودورها والحريصين على الأمن الاجتماعي والسياسي قبل الغذائي يجب أن يقفوا لدعم التوجه لا لعام واحد، بل كنهج للدولة.
فعندما نشتري من دول اخرى بذار أرضنا ونستورد كيلو العدس المجروش ليباع لنا نحن أبناء القرى والبادية بأكثر من دينارين للكيلو فهذا لا يشير إلى غلاء الأسعار فقط، بل إلى خلل وتشوه في مسارنا جميعا حكومات ومواطنين.
لو كنا أهملنا الزراعة وتحول الأردن الى بلد صناعي أو مركز تجارة اقليمي لقلنا ان هناك ما يشغلنا. لكننا اهملنا الزراعة الى خدمات وشركات اتصالات تربح ومواطنين يشترون الأجهزة والبطاقات، ونمارس كل انواع الواسطات لنحصل على وظيفة في الحكومة.
عام الزراعة يعني أن تتم عملية بناء الزراعة من جديد، وتقديم الدعم المالي والتسهيلات التشريعية لإعادة الاعتبار لمهنة الزراعة، وللمزارع الفرد وللثروة الحيوانية والمشاريع الزراعية البيتية. وعلى الدولة ان تكون سخية في الانفاق لتحقيق هذا الهدف الوطني الكبير لأن النتائج ليست خاصة بالمزارعين، بل بكل الناس وباقتصاد الدولة وأمنها السياسي والاجتماعي.
هنالك الكثير من التفاصيل التي يمكن أن تقال والوقت لا يتسع. لكن الجوهر اننا يجب أن نبدأ ليس اليوم بل امس، ومعيار النجاح تحقيق هدف كبير هو إعادة الاعتبار للقطاع الزراعي بكل ما يعنيه هذا من سياسة واقتصاد واجتماع. وأعتقد ان الوزير الحالي من المدرسة المؤمنة بأهمية القطاع الزراعي وأبعاده.. ننتظر البداية القوية العلمية والمنتجة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة