تعقيبا على مقال الاثنين الماضي حول ضرورة تخفيض أسعار السلع والخدمات، نتيجة انخفاض اسعار النفط ومشتقاته والتغيرات الاقتصادية المختلفة، تلقيت اتصالا من مواطن صاحب خبرة روى لي ولكم قصة حدثت معه عام 1969، حيث كانت هناك مدفأة من صناعة سورية لها خزان وقود داخلي، وفي حينه ظهر ابريق يتسع لربع او نصف تنكة، ووصف له احدهم مكان بيعه في شارع الهاشمي في عمان.
ذهب المواطن الى المحل لشراء الابريق، او الوعاء، فطلب منه البائع دينارين ثمنه، لأنه يصلح للاستعمال في المدفأة الجديدة، وكان الثمن مرتفعا جدا. وعندما سأل المواطن عن سبب هذا الغلاء؟ اخبره البائع أنّ الحدود الأردنية مع سورية مغلقة، وأن المادة التي يتم استعمالها في تصنيعه تأتي من بيروت، لهذا فسعر الوعاء اصبح مرتفعا، علما بأنّ تصنيع ما هو موجود في السوق كان قبل إغلاق الحدود وبسعر عادي.
رفض المواطن شراء الإبريق، فأعاده صاحب المحل وأجلسه محاولا إقناعه، فدار حوار حول سعر الابريق وتكاليفه، فقال التاجر كلمات تمثل معياراً في قانون السوق " حتى لو تم فتح الحدود مع سورية، وعدنا لشراء المادة من بيروت بسعر رخيص، فإن الابريق لن ينخفض سعره وسيصبح سعرا سائدا بانتظار فرصة اخرى لرفعه لا للتخفيض".
ما قاله هذا التاجر عام 1969 هو بمثابة قانون يكتوي بناره الناس في كل زمان ومكان. ولهذا فالقناعة التي حاول المواطن المجرّب أن ينقلها لي انه لا فائدة من المطالبة بخفض الأسعار، لأنّ السعر الذي يرتفع لا يعود إلى وضعه السابق إلا إذا كان هناك مصلحة للتاجر والمؤسسة.
وربما لا نحتاج الى التاريخ للحصول على هذه القناعة لأن الحاضر يؤكد هذا. لكن القصص القديمة تؤكد لنا ان الامر ليس وليد مرحلة، وبالتالي فإنّ استمرار أدوات المرحلة من مناشدات ونصائح ومطالب لا تؤثر لأنها اقل تأثيرا من الرغبة في الأرباح والمصلحة.
أما من قاموا بتقييم ما جرى في الولايات المتحدة فاعتبروا أن من النتائج فشل فكرة اقتصاد السوق، لكن ألا يحق للأردنيين أن يطالبوا حكومتهم ليس بالتراجع عن نهج اقتصادي، بل بامتلاك أدوات قانونية من المراحل السابقة لضبط السوق ولمنح المواطن والدولة حقوقهم عندما تنخفض الأسعار.
التسعير لكل أنواع السلع والخدمات ووجود وزارة تموين لضبط السوق اصبح ضرورة. وقد لا يكون الحل في التسعير التفصيلي، بل في حدود دنيا وعليا للعديد من الخدمات والسلع من فنادق ومطاعم ومدارس خاصة، وغيرها الكثير من السلع والخدمات، التي اصبحت اسعارها المرتفعة حقا مكتسبا لها.
إن الله تعالى "يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" تلك مقولة متوارثة من زمن السلف الصالح، جوهرها أن السلطة والقانون لهما دور في بعض المراحل والقضايا اهم من الوعظ والمناشدة. فكما يعتبر التاجر او المصنع او المدرسة او الفندق والمطعم رفع الأسعار حقا له عند ارتفاع الكلفة فإن القانون والسلطة هي التي يجب أن تلزمه بخفض الاسعار عند خفض الكلفة لا أن نترك هذا للضمير المستتر والتقدير الذاتي.
ثمن غالٍ
تعليق غاية في العمق والاهمية من أحد المواطنين تعقيبا على منح الحكومة وقبول النواب لامتياز وترف جديد هو الإعفاء الجمركي لسيارات فاخرة. جوهر التعليق أنّ هناك ثمنا كبيرا وباهظا تدفعه الدولة نتيجة كرم الحكومات في غير مكانه، وسعي اعضاء مجالس النواب أو نسبة منهم لامتيازات.
هذا الثمن ليس مالا او حرمان الخزينة من حق من حقوقها، بل مكانة المؤسسات المفصلية في ذهن المواطن الاردني. فتعاقب الممارسات التي يرفضها وحتى يستهجنها الناس لا تعود على شخص النائب لأنه قد لا يعود لموقعه في هذه المؤسسة التي هي مكون الدولة. ويقول المواطن: إن من يكرسون هذا النهج ينزعون المؤسسات الهامة من دورها ومكانتها "بل يرى فيها المواطن عبئا عليه" وتنشأ حالة من الغربة بين المواطن وهذه المؤسسات من مجالس أو حكومات.
إنه ثمن ندفعه من رأس المال، والقضية ليست سيارة فارهة يركبها النائب ويفرح بها مع عائلته، أو قرارا يتخذه مجلس الوزراء، لكنها علاقة المواطن بالدولة. ومع تراكم الممارسات ذاتها يتضاعف الثمن، لهذا على أهل القرار أن يتوقفوا طويلا، فالثمن كبير جدا.
المراجع
الموسوعة الرقمية العربية
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة العلوم الاجتماعية