ليست مهام سهلة على الإطلاق تلك التي يجب أن يتعامل معها رئيس الوزراء المكلف فايز الطراونة قريبا، وقريبا جدا. إذ إن المرحلة لا تحتمل تأجيل الاستحقاقات. 
الطراونة يقود الحكومة في وقت يشهد زيادة في نشاطات وفعاليات الحراكات الشعبية والشبابية المعارضة التي تنتقد تباطؤ الإصلاح، وكذلك ترى في الخطوات التي قُطعت حتى الآن في ملف الإصلاح السياسي غير كافية. وليس هذا فقط، وإنما نجد أن بعض الخطوات ليست إلى الأمام، وإنما إلى الخلف، ومنها مشروع قانون الانتخاب الذي أقرته حكومة د.عون الخصاونة وأحالته إلى مجلس الأمة.
ولا تتوقف انتقادات المعارضة عند هذا الحد، بل تطاول الصعيد الاقتصادي والتوجهات الحكومية برفع أسعار المشتقات النفطية والكهرباء، ما سيؤدي إلى رفع أسعار العديد من السلع والمواد الأساسية والاستهلاكية.
لا، لن تكون طريق حكومة الطراونة مرصوفة بالورود، وإنما بالتحديات الكبيرة التي لها آثار على حاضر ومستقبل الأردن. فهل تستطيع التعامل معها، ومعالجتها، بطريقة تساهم في تحقيق الإصلاح المنشود؟
الطراونة يأتي على وقع استقالة حكومة لم تتمكن من تخفيض مستوى وحجم المعارضة الشعبية مع أنها حاولت ذلك، إلا أن خطواتها كانت متعثرة، أو وضعت عراقيل أمامها، فلم تتمكن من تحقيق أهداف عديدة وضعتها نصب أعينها. فالحكومة السابقة وعدت بإقرار تشريعات "الإصلاح"، وفعلا قدمت مشاريع قوانين لمجلس النواب وافق على قانونين منها حتى الآن، هما الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات، والبلديات. في حين ما يزال المجلس يبحث في قوانين الانتخاب، والأحزاب، والمحكمة الدستورية.
ولكن القانون الذي أثار رفضا واسعا هو القانون الأهم على صعيد الإصلاح السياسي، ألا وهو قانون الانتخاب الذي رفضته أحزاب المعارضة جميعها، والنقابات المهنية، ومنظمات مجتمع مدني، وقوى وأحزاب وسطية.  
الإجابة عن سؤال "هل ينجح الطراونة في مواجهة التحديات؟"، تعتمد على العديد من العوامل، وعلى رأسها نظرة الطراونة إلى عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي في آن واحد.
ومن المهم على صعيد الإصلاح السياسي، نظرة الطراونة، وحكومته فيما بعد، إلى قانون الانتخاب بصيغته الحالية الموجودة لدى مجلس النواب. فهذا القانون مرفوض من قوى سياسية ومدنية واسعة، ولها تأثير في الشارع. ما يوجب لتحقيق الإصلاح، محاورتها والوصول إلى تفاهم معها حول الصيغة الأنسب للقانون. 
الطراونة، وفي مقابلة أجرتها معه "الغد" قبل نحو شهر، أكد أن قانون الانتخاب "يجب أن يخرج بشكل توافقي، وأن يكون ضامناً للتفاهم السياسي بين أطراف المعادلة الأردنية، لأن هذا القانون يدخل ويؤثر بشكل مباشر في كل بيت أردني". وهذا الطرح يستدعي إعادة النظر في القانون. وذلك ممكن، بالرغم من ضيق الوقت المتاح أمام الحكومة لإقرار القانون وإجراء الانتخابات النيابية هذا العام.
ويمكن الوصول إلى صيغة توافقية وطنية بطريقين: عن طريق مجلس النواب، أي عن طريق اللجنة القانونية النيابية الموجود لديها مشروع القانون. وهذه الطريق صعبة، فالإسلاميون يرفضون التعامل مع هذا المجلس، وقد أكدوا مؤخرا رفضهم حضور جلسات اللجان التي تناقش مشاريع القوانين، ومنها اللجنة القانونية التي تناقش قانون الانتخاب.
أما الطريق الثانية، فتتمثل في سحب مشروع القانون من مجلس النواب، والبدء بحوار وطني بمشاركة كافة القوى والأحزاب والفاعليات، بشأنه. ولكن هذه الطريق محفوفة بالمخاطر، على رأسها التأخر، ما يؤدي إلى عدم إجراء الانتخابات هذا العام. ومن المخاطر أيضا، رفض قوى المعارضة المشاركة في الحوار، لاسيما أنها أعلنت مبكرا موقفها من الحكومة، في المسيرة الشعبية التي نظمتها أمس في وسط البلد، حيث وجهت هذه القوى انتقادات شديدة للطراونة وحكومته المنتظرة.
سحب مشروع القانون قد لا يكون خيارا أمام الحكومة الجديدة، وإنما إلزاميا، في حال أفتى المجلس العالي لتفسير الدستور بعدم دستورية إجراء الانتخابات النيابية على أساس القوائم بالمطلق. أو أفتى بعدم دستورية القائمة الحزبية. عندها ستجد الحكومة نفسها مضطرة لسحب المشروع، والإعداد لمشروع جديد.
ومن التحديات الكبيرة جدا، والخطيرة في آن معاً، التي ستواجه الطراونة وحكومته، التحدي الاقتصادي. فبحسب ما هو متوقع، فإن هناك وجبة رفع للأسعار قريبة ستطاول سلعا أساسية، هي الكهرباء والمشتقات النفطية، ما سيؤدي تلقائيا إلى رفع أسعار سلع أخرى. وهذا الأمر إن حدث، فإنه سيزيد من ضغط الشارع على حكومة الطراونة، وسيوسع حجم ونوعية المعارضة لها.
تحديات كبيرة، تتطلب حكومة نوعية لمواجهتها. ولذلك، فالطراونة لمواجهة هذه التحديات، عليه أن يختار فريقا وزاريا جيدا. وعليه أن ينفتح على المعارضة ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، قبل تشكيل حكومته. الفريق الوزاري مهم، ومهم جدا، في حال استطاع الطراونة ضم عدد من السياسيين البارزين لحكومته لمواجهة هذه التحديات، ومن الأفضل أن يكونوا من المعارضة. فهل يحقق الطراونة خرقا على هذا الصعيد؟! يبدو أن ذلك أيضا صعب المنال؛ فبحسب المواقف المعلنة حتى الآن، فإن غالبية المعارضة، إن لم يكن جميعها، ترفض الحكومة، وترفض بالتالي المشاركة فيها.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  محمد سويدان   جريدة الغد