منذ سنوات، والعديد من القوى والحراكات السياسية والاجتماعية تحذّر من تلاشي الطبقة الوسطى في الأردن جراء السياسات الاقتصادية الحكومية التي تزيد من الأعباء المالية على المواطنين من ذوي الدخل المحدود والمتوسط. وتؤشر هذه القوى على سياسات رفع الأسعار للعديد من السلع والمواد والخدمات الأساسية، وزيادة الضرائب بأنواعها وأشكالها المختلفة والتي تضعف الطبقة الوسطى بشكل كبير، وتخلخل بنيانها. وتتهم هذه القوى الحكومة، بانصياعها لصندوق النقد الدولي في تنفيذ سياسات اقتصادية تؤثر سلبا على عموم المواطنين، وخصوصا الطبقة الوسطى التي تتشكل منها غالبية الشعب.
وبعيدا عن الاتهامات ومدى صدقيتها، إلا أن السياسات الحكومية الاقتصادية على مدى سنوات أضرت فعلا بالطبقة الوسطى، وجعلتها أقرب للطبقة الفقيرة من حيث الدخل والقدرة الشرائية وظروف المعيشة. وهذه النتيجة ليست صادرة عن جهة حزبية أو سياسية معارضة، وإنما نتيجة تقولها بشكل غير مباشر مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد. فأول من أمس، ألقت السيدة لاغارد كلمة أمام أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المغرب، تحدثت فيها عن قضايا اقتصادية واجتماعية في الدول العربية، وتطرقت فيها بشكل سريع إلى الطبقة الوسطى الأردنية، حيث قالت "في المغرب والأردن ومصر، فإن نصيب الطبقة الوسطى من الثروة الاجتماعية أضعف اليوم مما كان عليه في ستينيات القرن الماضي". وهذا الكلام الصادر عن شخصية اقتصادية دولية، لا يأتي هكذا جزافا، وإنما مبني على دراسات وأبحاث أجراها الصندوق في هذه البلدان، وتوصّل إلى هذه النتيجة القاسية والصادمة. فالطبقة الوسطى التي هي عماد الشعب كانت في الستينيات أحسن حالا، وأفضل مما هي عليه الآن. وكانت تحصل على نصيب أفضل من الثروة الاجتماعية. أما الآن، فالأمر جدا مختلف، ولا يحتاج لتشخيص الوضع لمديرة صندوق النقد الدولي، فالآثار السلبية التي انتجتها السياسات الاقتصادية الحكومية يمكن رؤيتها ورصدها بسهولة على غالبية المواطنين، ولا تحتاج إلى دراسات معمقة. فغالبية المواطنين، يشكون من ارتفاع الأسعار، ومن زيادة أعباء المعيشة عليهم، ومن كثرة الضرائب، وأصبحت المداخيل المتوسطة لا تكفي أصحابها، ولا تمكنهم كما كان في السابق من الحياة من دون عوز.
وبحسب دراسة للمجلس الاقتصادي الاجتماعي في العام 2008، فإن الطبقة الوسطى تشكل 41 % من عدد السكان. وكانت الحكومة في العام 2010 وضعت ضمن برنامجها التنفيذي هدف توسيع الطبقة الوسطى وحماية الفقراء. والسؤال الذي يطرح نفسه، وخصوصا بعد تصريحات لاغارد الأخيرة، هو: هل تمكنت الحكومة من تحقيق هذا الهدف بعد أربع سنوات من برنامجها، أم أن سياساتها الاقتصادية أضعفت بشكل كبير الطبقة الوسطى، وقللت من عدد المنضوين تحت لوائها؟

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  محمد سويدان   جريدة الغد