رجل فاضل من أبناء محافظة الطفيلة، ومن الرعيل الأول من متقاعدي القوات المسلحة من زمن المرحومين راضي عناب وقاسم المعايطة كما يذكر ويتحدث، اتصل مستهجنا ومستغربا ما سمعه من مسؤول مالي حكومي عن الزيادة المرتقبة على رواتب المتقاعدين والعاملين في اجهزة الدولة!
سبب الاتصال الغاضب ان هناك فئات من المتقاعدين رواتبهم الاساسية دنانير قليلة، والنسبة التي تتحدث عنها الحكومة تجعل الزيادة لا تكاد تذكر. لكن حتى من هم في في مراحل عمرية اقل من المتحدث الكريم، صاحب التجربة الطويلة، فإنهم وقفوا امام نسبة الزيادة بحيرة. فحيثما قلّبوها وحسبوها فإنها تعني زيادة رمزية لا تتناسب مع ما حدث في سوق الأسعار وتكلفة المعيشة خلال عام مضى.
وكما قال احدهم فإن هذه النسبة ستكون بمثابة "نكتة اقتصادية" يتحدث بها الناس، ولا تترك أي أثر سياسي او اقتصادي، بل تصنع حالة من الإحباط الشعبي.
ولعل من سوء حظ الحكومة أنّ الإعلان عن هذه النسبة جاء بعد كرم نوعي تجاه الأعيان، الذين حصلوا مؤخرا على زيادة مقطوعة بلغت الف دينار اردني فقط لا غير، وهي زيادة تزيد على نسبة سبعة بالمائة!
وبعد كرم آخر تجاه السادة النواب بمنحهم إعفاءً جمركيا لسيارات من ذات المحركات الكبيرة، وهو الكرم الذي دفع بعض النواب الى طلب منحهم الحق ببيع الإعفاء الى شركات السيارات لأن لديهم سيارات.
حين كان الملك يأمر بصرف (100) دينار للموظفين والعسكر والمتقاعدين وغيرهم في شهر رمضان كنا نقول إن قيمة هذا القرار سياسيا وشعبيا اكبر بكثير من قيمته المالية، ودلالاته عند الأردنيين ليست فقط في أنه يفرّج بعض الكرب، بل ايضا في تكريس قناعة أن الملك حريص على أن يقدم للناس كل ما يعينهم، وأنه مدرك لأوضاع شعبه ومواطنيه.
وكذلك الحال مع الزيادة التي صرفت العام الماضي على الرواتب وكانت بين (45 و50) دينارا، فقد ساهمت في إيجاد حالة تفهم من الناس للظرف الصعب على الدولة الذي صنعه الارتفاع العالمي في أسعار النفط وسلع أخرى مهمة وكثيرة.
أما هذه النسبة المحدودة من الزيادة، اليوم، التي تتحدث عنها الحكومة، فسوف تترك آثراً سلبياً. فالناس ستحوّل الأمر إلى تندر، بخاصة أن أسعار السوق لمعظم السلع والخدمات لم تنخفض انسجاما مع انخفاض اسعار النفط، وستبدو النسبة "كائنا غريبا" في ظل الوضع الاقتصادي العام.
التقديرات الفنية الخالية من الابعاد السياسية والشعبية لا تصلح وحدها، لأنّ إدارة امور الناس لها ابعاد اخرى. ولهذا ندعو الى شطب هذه النسبة من الخطاب المالي للحكومة للعام المقبل. والحكومة التي اظهر الرئيس ذكاء في ادارة بعض الملفات والمحطات تحتاج إلى ذكاء كبير في التعامل مع هذه القضية المهمة لكل الأردنيين من عاملين ومتقاعدين.
على الحكومة أن تتذكر أن هذه النسبة ستكون هاديا، بل حجة لبعض القطاع الخاص الذي سيعتمد النسبة اذا ما أراد زيادة رواتب العاملين لديه، بخاصة أن الحكومة تقول إن هذه النسبة ناتجة عن دراسات حول نسبة التضخم المتوقعة للعام المقبل.
ما بين السياسة والعمل الفني مساحة يفترض ألا تغيب عن اصحاب القرار. والأثر السلبي لأي قرار يتعامل بشكل مجرد مع الأرقام من دون مراعاة الأبعاد السياسية اكبر احيانا من الثمن الرقمي. لهذا ندعو دائما الى القرار كامل الابعاد حتى تتحقق النتائج الإيجابية ويستفيد الناس.

المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة   العلوم الاجتماعية