حينما يحتاج المرء إلى وظيفة أو علاج، او دراسة، او غيرها من الحاجات الضرورية، فأول ما يتبادر لذهنه وذهن المحيطين به: هل نعرف احدا في هذه المؤسسات والجهات التي لنا بها حاجة حتى يسهل لنا الأمور، ويفتح الأبواب المغلقة؟ ولا تأتي هذه الأفكار جزافا، وإنما نتاج تجربة مريرة للمواطن.
ففي الكثير من الأحيان في القطاعين العام والخاص، وخصوصا في القطاع العام، يعاني المواطن الكثير للحصول على حاجته، وتكون في بعض الأحيان ضرورية وماسة ومستعجلة. فعلى سبيل المثال، يحتاج المرء لصورة طبقية، او رنين مغناطيسي بأحد المستشفيات الحكومية، فيُكتب له موعد بعد شهر او بعد عدة أشهر. وهناك أمثلة عديدة ومتنوعة عن تجذر الواسطة بحياتنا، فأصبحنا نعرف تماما، أننا في الكثير من الأحيان، لن نصل إلى ما نريد، إلا اذا بحثنا عن معارف (واسطات) يساعدوننا على ذلك.
وما أقوله الان ليس جديدا، فالكثيرون تحدثوا عن الواسطة وآثارها السلبية على حياتنا. ولكننا، كنا نتوقع مع "الربيع العربي"، أن تتغير الأمور وتختلف، ويتراجع دور الواسطة للخلف، وتحل محلها المؤسسية والتقدير وفق الكفاءة والمعرفة والمؤهلات، وليس بحسب العلاقات الشخصية والمعارف.
القضاء على الواسطة لا يتم في فترة بسيطة، فهي إرث قديم ومتغلغل في حياتنا اليومية، لا ينتهي بسرعة، مهما كانت المطالبات والتوجهات الإصلاحية. فالعملية طويلة وشاقة للتغلب على الواسطة وتفرعاتها وآثارها السلبية على المجتمع. ولكن، المطلوب أن يكون هناك عمل ما بهذا الاتجاه في مرحلة الإصلاحات، وأن تولى أهمية لمعالجة هذه الآفة التي أضعفتنا وأثرت سلبا على عملنا وحياتنا بالمجمل.
لا يوجد، للأسف، أي تحسن على صعيد المعالجة للواسطة، وإضعاف تأثيرها في المجتمع. فما يزال الناس يبحثون عن الواسطة بوتيرة أكثر من الأول، في ظل قلة فرص العمل، وضعف الخدمات العامة على كل الصعد. الواسطة، تنتعش هذه الأيام، مع أنه من المفروض أن يتقلص دورها.
لا يعني ذلك أن نستسلم، وأن نقبل بالأمر الواقع. هناك خطوات عديدة يمكن أن تتخذ على هذا الصعيد، أهمها على الإطلاق أن تؤمِن المؤسسات الحكومية بكل أنواعها وأشكالها أن صاحب الحق يجب أن يناله، وأن الاولوية للكفاءة. وينطبق الإيمان هذا أيضا على المؤسسات الخاصة بكل أشكالها وألوانها. ليس المطلوب صنع المعجزات، وانما أن نبدأ بخطوات بغض النظر عن حجمها لتجفيف منابع الواسطة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة محمد سويدان جريدة الغد