أوحى لي بفكرة هذا المقال أو المطلب، الدكتور نجيب أبو كركي الخبير الجيولوجي وأستاذ الجيوفيزياء وعلم الزلازل في قسم الجيولوجيا البيئية والتطبيقية في الجامعة الأردنية، وإن كان بشكل غير مباشر، حين أتيح لي عبر "صداقتنا"، التي أعتز بها، على صفحات موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، أن أدخل إلى أرشيف مصور هو صاحب فكرته بعنوان "نحو أرشيف: معان معانيون ومعانيات"، إذ وضع في هذا الألبوم صوراً قديمة، وحديثة نسبيا، لمعان وأهلها، ودعا أصدقاءه للمشاركة في وضع صور شبيهة لتكتمل فكرة الأرشيف.
تذكرت الفكرة هذه، وأهميتها في رواية التاريخ الاجتماعي في الأردن عموما، خاصة إذا ما تم تحويلها إلى مشروع ثقافي، وإذا ما شكلت مثل هذه الصور، نواة لتأسيس متحف وطني مصور، أول من أمس، وأنا أنتظر قطار الأنفاق السريع تحت الأرض في لندن، حيث إن الصور الدعائية الكبيرة الملصقة على رصيف القطار أشارت إلى صورة من منتصف الستينيات لاعتصام في وسط مدينة لندن، وكتب فوقها بخط كبير: "You Are Here"، أو "أنت هنا"، وهو عنوان لمعرض أو قسم افتتحه متحف لندن، والذي يعد واحداً من أكبر المتاحف التي تتحدث عن المدن في العالم.
هذا المعرض يروي حكاية أو حكايات المدينة في صور منذ عام 1666، أي منذ حريق لندن الكبير، وحتى يومنا هذا، ويحتوي نحو سبعين ألف قطعة، ذلك باعتبار أن بعض الصور عبارة عن رسم لا صور فوتوغرافية، بحكم عدم وجود كاميرا في التاريخ المتقدم. وفكرة المعرض تقوم على رواية التاريخ الاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي للندن، ولكن عبر الناس والصور التي التقطوها، ولذلك فالعنوان يعبر عن ذلك.
أعتقد أن فكرة وجود متحف مصور يروي التاريخ الاجتماعي للأدرن، قابل للتحقق، وحبذا لو تبنته وزارة الثقافة أو أمانة العاصمة، بحيث يخصص متحف لعرض الصور، لا الرسمية بل التي التقطها الناس بعفوية، واحتفظوا بها إلى الآن، ولعل صور د. نجيب تدلل، لي على الأقل، بأن تجميع تلك الصور لن يكون مسألة صعبة. واعتقد أيضاً، بأن المتحف لو تم تحويله إلى مؤسسة غير ربحية، كما هو الحال في المتاحف الأوروبية، وبإدارة مستقلة تنأى بنفسها على التوازنات السياسية أو الجهوية، فإنه سيتحول إلى مؤسسة ثقافية حقيقية بمفهومها العصري.
أعتقد أن الصورة الفوتوغرافية، تروي دوماً التاريخ بشكل جذاب ومغاير، ودوماً تربط بحكاية تاريخية، وسأضرب مثلاً من لندن أيضاً، حيث قام صحافي في مجلة "انتلجنس لايف"، والتي تصدر عن مجلة "الايكونومست" المعروفة بالتحقيق في صورة لندنية مشهورة تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، وتصور طالبين من مدرسة خاصة بلباس علية القوم في ذلك الزمان، وإلى جانبهما ثلاثة شبان من طلاب المدارس الحكومية بثيابهم البالية.
تلك الصورة تحولت إلى أيقونة لندنية، وتجدها اليوم في محلات بيع التذكارات اللندنية، وطالما استخدمت هذه الصورة في الصراع السياسي بين اليسار واليمين، حول الفارق الطبقي، وحول السياسات التعليمية، وتوزيعها...الخ. الصحافي بحث في جذور الصور وقابل من بقي حيا من الطلاب الخمسة، وقابل أقاربهم، والمصور، والصحف التي نشرت الصورة، وما إلى ذلك، وقد خلص إلى استنتاجات مشوقة.
وهنا أيضا مثال "جزيرة أليس" بالقرب من نيويورك، حيث كانت تستقبل المهاجرين إلى الولايات المتحدة، وتم تحويلها إلى متحف، وفي قسم منه شجرات عائلة للمهاجرين، وصور لهم في بدايات دخولهم الولايات المتحدة.
الصورة، إذا ما عرفت قيمتها، تروي التاريخ، بشكل مشوق، وتجعله أكثر سلاسة، والأهم من هذا كله أن الناس العاديين، يكونون هم أبطال هذا التاريخ، وإذا ما وضع هذا المتحف قيد التطبيق، بات الناس أكثر انخراطا وإندماجا في المشروع.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة مراد بطل الشيشاني جريدة الغد