تسببت قنبلة تزن سبعة كيلوغرامات من الـ "تي إن تي"، الأسبوع الماضي، في إخراج قطار سريع بين العاصمة الروسية موسكو وكبرى المدن الروسية سان بيترسبيرغ، مما أدى إلى مقتل نحو 26 شخصا وجرح ما يزيد عن المائة، إضافة إلى المفقودين، حسب آخر الأرقام التي ترشحت عن الحكومة الروسية، والتي بدورها قالت، وعلى لسان ناطق باسم هيئة الادعاء العام: "بالفعل، تعرض القطار لهجوم إرهابي". وبالتالي إذا ما صحت التصريحات الروسية فإنها عملية تستهدف المدن الروسية، خارج إقليم شمال القوقاز، لأول مرة منذ سنتين أو ثلاث، وهي نمط من العمليات كان يشهد توتراً أكبر ما بعد عام 1999، واندلاع الحرب الشيشانية-الروسية الثانية آنذاك.
قبل أن تعلن "إمارة القوقاز الإسلامية"، وهي المجموعة الأساسية التي تمخضت عن تحالف التيارين القومي والإسلامي الراديكاليين في الحرب الشيشانية الروسية الثانية عام 1999، مسؤوليتها عن العملية، منذ أيام، كانت هناك فرضيتان في موسكو: وهي إما "مسلحون من منطقة شمال القوقاز أو متشددون قوميون من الجماعات النازية القومية المتطرفة". وقد كانت الفرضية بأن المنفذين هم من النازيين الجدد، ضعيفة، حيث إن سلوك هذه الجماعات العنيف لم يتجاوز إلى العنف المنظم بل انحصر في أحداث الشغب، والاعتداءات الفردية...الخ.
وأما فيما يتعلق بـ "مسلحين من شمال القوقاز"، فبعد بيان "إمارة القوقاز الإسلامية" بتبني مثل هذه العملية فإنها مؤشر جلي على أن ما يعرف بـ "خاصرة روسيا الجنوبية" في شمال القوقاز، ما تزال تشكل تهديداً حقيقياً لموسكو، وذلك على الرغم من إعلان انتهاء العمليات العسكرية في الشيشان، ومن ثم انتهاء عمليات "مكافحة الإرهاب" فيها، وإعلان حكومة شيشانية موالية لروسيا، وذلك بعد حرب معاصرة استمرت زهاء العقد منذ منتصف التسعينيات.
هناك مفارقة غريبة في شمال القوقاز. الشيشان، التي خرجت من حربين معاصرتين، وعلى الرغم من التقارير المتواترة عن انتهاكات حقوق الإنسان فيها، وعن حالة التوازن الاجتماعي-السياسي المعرض للتغير في أي وقت، وحتى عن عنف ينمو ويخبو بين الفينة والأخرى بدءاً من حوداث اطلاق النار وصولاً إلى عمليات انتحارية، يفترض أنها أهدأ نسبياً من الجمهوريات المجاورة، وتحديداً داغستان، وإنغوشيتيا، وقبردين-بلكار، والتي تشهد عنفاً متصاعداً خلال السنوات الأخيرة بأشكال مختلفة.
وعلى ذلك فإن حادثة القطار ما بين موسكو وسان بيترسبيرغ، وبارتباطها بتطور العنف في شمال القوقاز، فإنها تشكل تحولاً جديداً في ديناميات العلاقة بين موسكو والأطراف، خاصة في شمال القوقاز. التقارير أشارت إلى أن بعض المسؤوليين المحليين والحكوميين كانوا على متن القطار، وقد خلصت بعض التقارير إلى أن "الهجوم كان موجهاً بشكل واضح ضد النخبة الحاكمة وليس ضد أفراد الشعب". وهو بالتالي يؤشر على نمط من العمليات النوعية أيضاً، مما يثير تخوفات فيما يتعلق بمستقبل التوترات في المنطقة.
وأيضاً، يلاحظ، ومن خلال رصد تطورات العنف في إقليم شمال القوقاز، سواء خلال الحقبة المعاصرة أو حتى تاريخياً، فإنها تبقى مصدراً لاستمرار التوتر لروسيا. وهي تبرز كمؤشر على فشل الاقترابات الروسية لحل الأزمة القوقازية الشمالية. وقد كان تقرير صدر عن "أكاديمية الدفاع في المملكة المتحدة" الشهر الماضي قد خلص إلى أن تراجع الإنفاق ونقص الدعم الروسي المالي لجمهوريات شمال القوقاز، وذلك، بسبب المبالغ الضخمة التي تنفق على الألعاب الأولمبية سوتشي- 2014، والمساعدات المالية لكل من اوسيتيا الجنوبية وابخازيا، وذلك في إطار الصراع مع الغرب وجورجيا هناك، وعلى حساب جمهوريات شمال القوقاز. هذا برأي الدراسة سيزيد من سخط الجمهوريات الشمال قوقازية، مما يمكن أن يوسع دائرة العنف فيها، ويؤثر في منطقة جنوب القوقاز، وفي المصالح الغربية في كل من جورجيا وأذربيجان. ويبدو أن حادث القطار يعكس تطورات من هذا القبيل في القوقاز.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة مراد بطل الشيشاني جريدة الغد